الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يصيبني شيء من الخوف عند سماع الأذان، فما سبب ذلك وعلاجه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحتاج إلى نصيحة ومساعدة منكم، إذا تكرمتم.

قبل سنة تقريبًا توفيت جدتي، وكانت قريبة مِنَّا جدًّا؛ كنا نزورها وتزورنا دائمًا -اللهم ارحمها-، وبعد وفاتها أصابني بعض القلق، وأصبحت أخاف من الأمراض فجأة، مع أني -ولله الحمد- لا أشكو من أي مرض، وصرت أقيس ضغط دمي مثلاً، وأصبح عندي وسواس من هذا الأمر.

لكن بعد فترة زمنية لا بأس بها، تغلبت على خوفي وذهب عني هذا الوسواس، وقبل عدة شهور توفي جدي -زوج جدتي-، وعاد الأمر كما كان، لكن هذه المرة تغلبت على الوسواس، في عدم قيامي بقياس ضغط الدم، ولله الحمد.

ومع ذلك، أصابني شيء من المرض النفسي، إذ في يومٍ كنت أصلي جماعة وأنا الإمام، شعرت بضيق في النفس، وأكملت صلاتي بصعوبة، وكانت نبضات قلبي تدق بسرعة، وكدت أن يغمى علي من شدة التفكير، فأخطأت وقست ضغط دمي بسرعة، فكان مرتفعًا بسبب القلق والخوف الذي أصابني.

ومنذ ذلك اليوم إلى الآن، كلما سمعت صوت الأذان، أو علمت بأن وقت الصلاة قد حان، يصيب جسدي شيء من الخوف، كمن يسمع خبرًا لا يسره، فيتفاعل جسدي بسرعة، لكنني أحاول مقاومة الخوف بالاستغفار، والتنفس ببطء، ومحاولة تشتيت التفكير، فأصلي ببعض الصعوبة، وعند إنهاء الصلاة أشعر كما لو أن حِملًا ثقيلاً قد انزاح عني، لكني أشعر بعدها بآلام في المفاصل، وخاصة في الرقبة.

تقريبًا عند موعد كل صلاة يحدث هذا الشيء، وأدور في دوامة حيث يتفاعل جسدي، وأنا أواجه الأمر مرة بصعوبة ومرة بسهولة.

في رأيكم، هل هذا يُسمى بالصدمة النفسية؟ ما هو تحليلكم لذلك؟ وهل من علاج لهذا الأمر، مثلًا رقية معينة، أو سورًا أداوم على قراءتها؟

علمًا أنني مستمر في الدعاء، وأحافظ على وردي اليومي من القرآن، ولله الحمد، لكن كثيرًا ما أستيقظ ليلًا وأصاب بجاثوم، أو أستيقظ على استحلام!!

أظن أنه إذا مضى الوقت دون تكرار هذا الأمر سأنسى كل شيء، وسيعود جسدي كما كان، لكن محاولاتي تفشل.

وشكرًا جزيلًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بهاء الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك -أخي الكريم- على رسالتك واستشارتك هذه، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه، وأن يثبتك على طاعته، لا سيما في شأن الصلاة، إنه سميع مجيب.

ما أشرتَ إليه في رسالتك – أخي الفاضل – من تزايد القلق عقب وفاة جدك وجدتك، يُعدّ من الاستجابات الطبيعية التي يمرّ بها كثير من الناس، غير أن طريقة التفاعل معها تختلف باختلاف الاستعدادات النفسية والجسدية، من شخص لآخر.

من الناحية الجسدية: أنت أشرتَ إلى مجموعة من الأعراض التي تُعدّ جزءًا من التفاعل الجسدي مع الصدمة النفسية، والتي حدثت بعد وفاة جدتك وجدّك بعدها -عليهما الرحمة والمغفرة- وهذا التفاعل الجسدي هو شيءٌ طبيعي -كما ذكرنا- ويحدث فيه مثل هذه الأعراض التي ذكرت، التي منها: ضيق في التنفس، والإحساس بالاختناق، وصعوبة في التنفس، زيادة في ضربات القلب، وكثرة التفكير، خاصةً في الجوانب السلبية مثل تأنيب النفس على الأخطاء.

كل هذه الأعراض تُصنّف تصاحب زيادة القلق، وهي شائعة عند التعرض لفقد أو صدمة، وتختلف درجاتها من شخص لآخر.

ومن الأمور الإيجابية في رسالتك، أنك أشرت إلى أنك تخلّصت من هذه الأعراض بعد وفاة جدتك، وكذلك أيضًا بعد وفاة جدك، رغم أنها عادت مرة أخرى في شكل أقل حِدّة، وهذا يُشير إلى أنك قد مررت بفترات تعافٍ جزئي، وهو أمر مبشّر.

هذه الحالة – بإذن الله – مؤقتة، وستزول، فقط تحتاج إلى رفع ما يُسمّى بـ (المناعة النفسية) لديك، وهي كما ذكرتَ أنك رجل محافظ على الصلاة، وتقرأ القرآن، وهذه كلها إشارات إيجابية للتخلص من القلق.

صحيح أن نوبات القلق ظهرت عندك في أوقات محددة، مثل وقت سماع الأذان أو قرب دخول وقت الصلاة، وهي ما تُعرف بـ (نوبات القلق) المرتبطة بمحفِّز معيَّن، وتحتاج إلى شكل من أشكال الدعم النفسي للتعامل معها.

هذا النوع من التفاعل الجسدي المؤقت لا يستدعي استخدام أدوية في الوقت الحالي، لكن يُستحسن أن تستعين بأخصائي نفسي، ليوجهك إلى جلسات العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، وهو من أنجح الأساليب في: التعامل مع الأفكار السلبية، وتحويلها إلى أفكار إيجابية، ومن ثم التخلّص من النوبات المرتبطة بالخوف والتي تُكبِّل (أحيانًا) الشخص، وتُصيبه بالكثير من الآلام والاضطرابات النفسية.

هذا النوع من العلاج (من الناحية النفسية) يُركّز على فهم السبب العقلي والذهني وراء القلق، ويُساعد في تدريب العقل على إعادة بناء العلاقة بين الحدث (كالأذان) والاستجابة النفسية له.

أمّا ما يتعلق بالرقية، فأنا أُحيل ذلك إلى أهل الاختصاص، ولكن لا شك أن: قراءة القرآن الكريم رقية، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء من الأمور النافعة جدًّا، وهي تعزّز الجانب الروحي وتُهدّئ النفس، وتُعين على التخلص من القلق.

كما أنصحك أيضًا بالاهتمام ببعض العادات الصحية التي تساعد الجسم على الاسترخاء، ومنها: المحافظة على غذاء صحي منتظم، وممارسة أي قدر من التمارين الرياضية ولو المشي البسيط، والحرص على النوم المنتظم، كل هذه السلوكيات تُساعد في ضبط التوتر والقلق، وتدعم الجانب النفسي في التغلُّب على هذه النوبات.

تحويل التفكير السلبي المرتبط بسماع الأذان، أو الخوف من الصلاة، إلى فكرة إيجابية، يحتاج إلى تدريب نفسي وروحي بسيط، ويقينًا –بإذن الله– ستجد أن الصلاة نفسها ستكون سببًا في شفاءك وتعافيك من هذا القلق.

نسأل الله لك العافية والسكينة والاطمئنان، وأن يجعل الصلاة قرة عين لك، لا سببًا في الضيق.

ولمزيد من الفائدة راجع الاستشارات المرتبطة: (2669-2286513).

وفقك الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً