الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حاولتُ التوبة مرَّاتٍ عديدة من الكبائر ولم أوفَّق!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أنا شابٌّ أقترف كبيرةً من الكبائر، أسأل الله أن يهديني، ويشفي صدري، ويهدي منها جميع أمة محمد ﷺ.

تعرفت على شخص عن طريق محرم؛ وقد عرض عليَّ هذا الشخص عملًا في التجارة (وهو عملٌ حلال) لما يعلم عني من الأمانة، ومع ذلك فأنا متردِّد في البدء، إذ يُخيَّل إليَّ أن كلَّ ما أربحه من تلك التجارة سيكون حرامًا، لأنني سأستخدمه في نفقة البيت، وأخشى أن أُطعم عائلتي مالًا حرامًا.

أقول في نفسي: بما أن أصل معرفتي بهذا العمل جاء عن طريق علاقةٍ محرَّمة، فكلُّ ما يترتَّب عليها حرام، وسؤالي: هل الدخول في هذا العمل حلال أم حرام؟

قلقي وحرصي هذا ناشئان من يقيني في قرارة نفسي أن الله سيتوب عليَّ يومًا؛ فقد حاولتُ التوبة مرَّاتٍ عديدة لكني لم أوفَّق.

أسألكم بالله أن تدعو لي بالعودة إلى فطرتي السليمة، والالتزام بصلاتي، والسير في الطريق الذي يحبني الله فيه عزَّ وجلَّ.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ali حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نسأل الله تعالى أن يتوب عليك، ويغفر ذنبك، ويهدي قلبك.

ثانيًا: نحن ندعوك -أيها الحبيب- إلى الأخذ بجدٍ بأسباب التوبة، فإن التوبة ليست مجرد أمنية، فالأماني إذا لم يفعل الإنسان ما بوسعه من أسبابها، ليست إلَّا مجرد وعود وغرور من الشيطان الرجيم، وقد قال الله تعالى عنه في كتابه الكريم: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: 120]

والإنسان لا يدري متى يُفاجئه الموت، فالموت قريبٌ من كل واحدٍ مِنَّا، فالواجب على العاقل أن يُبادر ما دام في زمن الإمكان، ويعلم أن سخط الله تعالى لا تقوم له السماوات والأرض، ولا تثبت أمامه الجبال، فكيف بهذا الإنسان الضعيف؟

وعقاب الله تعالى شديد، كما قال سبحانه: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49–50]، فوصف نفسه في كتابه بأنه شديد العقاب، وأخبرنا -سبحانه وتعالى- عن النار وما فيها من أهوال، ثم أخبرنا بأن هذه نعمة من الله تعالى، أن حدّثنا عن تلك الشدائد وذلك العذاب، حتى لا يأتينا بغتة ونحن لا نعلم، فقال: (وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَٱتَّبِعُوا۟ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر:54-55]، وحذّرنا -سبحانه وتعالى- أبلغ تحذير فقال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28].

وقد جاءت آيات القرآن الكريم بالترهيب من الفواحش، وأخبرت عن عواقب أصحابها ونهايتهم، فقال -سبحانه وتعالى- على سبيل المثال في سورة الفرقان في وصف عباد الرحمن: {وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان: 68–70].

فالبدار البدار -أيها الحبيب- والمسارعة المسارعة، واحذر من التسويف؛ فإنه من أعظم جنود إبليس، فلا تُؤخِّر التوبة، سارع إليها، واستغل ما بقي من الخير في قلبك، فكلامك هذا الذي أوردته في سؤالك يدلُّ على أنه لا يزال في قلبك خير، ولا يزال فيه نور.

فنصيحتنا لك: أن تُبادر إلى استغلال هذا النور وهذا الخير قبل أن ينطمس؛ فإن الله حذّرنا من عواقب الذنوب، وأنها تكون سببًا لطمس القلب، وأن الله تعالى يحول بين المرء وقلبه، وربما يأتي عليك زمان لا تفكّر في التوبة أصلًا، ولا تُحدِّثك نفسك بها، بل يأتي عليك زمان لا تحسًّ بأي تأنيب في الضمير أو وجع في القلب بسبب انحرافك وخطئك.

فبادر للتوبة، واستعن على ذلك بالله تعالى، وخذ بالأسباب التي تُعينك عليها وعلى الثبات عليها، ومن أهمِّ ذلك: الصحبة الصالحة والرفقة الطيبة، والإكثار من دعاء الله تعالى أن يتوب عليك، وأن يثبتك على الحق والخير.

أمَّا ما ذكرته بشأن هذا العمل؛ فإن كان هذا العمل في مقابل أن تفعل شيئًا محرّمًا، أو أن تستمر فيه -سواء كان فاحشة الزنا أو اللواط أو غير ذلك- فإن هذا حرام، وقد نهى النبي ﷺ عن مهر البغي، وهو ما تأخذه المرأة الزانية في مقابل فعلها الفاحشة، وهذا حرام، وإذا كان حرامًا فلن يجعل الله تعالى فيه خلاصًا، ولا بركة، ولا تتهيأ الأمور على خلاف حقيقتها، فإن الشر لا يجرُّ إلَّا إلى شر.

احرص على ما ينفعك، كما قال الرسول ﷺ، وانتقل إلى بيئة نظيفة طاهرة تحافظ فيها على دينك، فدينك هو رأس مالك، وهو سبب سعادتك الحقيقية في هذه الدنيا عاجلًا وفي الآخرة آجلًا.

أمَّا إذا كان هذا العمل فقط بسبب المعرفة، فهو مباح لا حرج عليك فيه، ولكننا نعود فنحذّرك من استمرار الصحبة لمن تقع بسببه في المحرمات؛ فهذه صحبة ضارّة، احرص على أن تبتعد عنها، وثق بالله تعالى أنه سيعوّضك خيرًا مما تركت، وأن السعادة ليست في جمع المال وحده.

استعن بالله ولا تعجز، واسأله -سبحانه وتعالى- أن يُبصّرك بطريق الخير.

نسأل الله تعالى أن يحفظك من بين يديك ومن خلفك، وأن يفتح لك أبواب الرزق الحلال، وأن يجنّبك كل مكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً