الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالخجل لأن الله يستجيب دعائي رغم سوء أفعالي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد قمتُ ببعض التصرفات غير الجيدة، لكنني في كل مرة أعود إلى التوبة، وأصلّي بعد توبتي، وعندما أدعُو أشعر بالحياء من الله تعالى، بسبب ما اقترفتُ من أفعال، وأرجوه أن يتقبل توبتي، وبعد فترة، أدعو الله عز وجل بأمرٍ ما، فيستجيب لي في كل مرة أتوجّه إليه بالدعاء.

أنا أشعر بخجلٍ شديد بسبب أفعالي؛ فرغم كل ما فعلت ما زال الله تعالى يستجيب دعائي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لكِ حرصكِ على معرفة أحكام دينك، ونهنئكِ بفضل الله تعالى عليكِ حين وفقكِ للتوبة، فإن الله تعالى يُوفّق مَن يُحبهم ويُحبب إليهم التوبة، فإنهم لا يتوبون إلَّا بعد أن يتوب الله عليهم، كما قال الله في كتابه الكريم: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ فاحمدي الله تعالى على رحمته بك وتوفيقه لك، واشكريه على هذه النعم الجزيلة، فإن الله تعالى رحيمٌ ودودٌ، يتحبب إلينا بالنعم ونحن نتبغض إليه بالمعاصي.

وقد أنصفتِ –أيتها البنت الكريمة– وأدركت كبد الحقيقة حين شعرتِ بالخجل من الله -سبحانه وتعالى- والحياء منه؛ فإن خيره إلينا نازل، وشرنا إليه صاعد، يتحبب إلينا بالنعم، ونتبغض إليه بالمعاصي، فجدير بنا أن نستحي من الله تعالى، ومع ذلك فإن الله تعالى يعاملنا بكرمه ولطفه وصفحه وعفوه، يستر علينا مع إقامتنا على المعاصي، ويحلم علينا فيعطينا ويعافينا ويستجيب دعواتنا، مع إصرارنا على مخالفته؛ وهذا كله من إمهال الله تعالى وحلمه، وتأخيره للعبد ليراجع نفسه، فلا يعاجله بالعقوبة.

فإذا وُفّق الله الإنسان لاستشعار هذه المعاني، وجب عليه أن يستثمر هذا الخير ويجعله حافزًا للتوبة، والحرص على ما يُرضي الله سبحانه تعالى، فإن الجميل لا يُقابل إلَّا بالجميل، فإحسان الله تعالى إلينا ينبغي أن يُقابل بإحسان عبادتنا له، ولهذا ندعوكِ -ابنتنا الكريمة- إلى استغلال هذا الخير الذي في قلبك، والمبادرة إلى الأخذ بأسباب الثبات على التوبة.

فكونكِ تتوبين من ذنبك، هذا شيء حسن، ولو وقعتِ مرة ثانية في الذنب فإن الواجب هو أن تتوبي من جديد، هذا هو الفرض الشرعي، لكن يجب أن تكون التوبة مستوفية لأركانها، وهي ثلاثة أركان، لابد منها لتصح التوبة:
- الركن الأولى: يتعلق بالزمن الماضي، وهو الندم على فعل المعصية.
- والركن الثاني: يتعلق بالزمن الحاضر، وهو الإقلاع عن الذنب في الحال.
- والركن الثالث: يتعلق بالزمن المستقبل، وهو العزم الجازم في القلب على عدم الرجوع إلى المعصية.

فإذا فعل الإنسان هذه الأركان الثلاثة، فإن الله تعالى يقبلها منه، ويجعلها ماحية لذنبه السابق، كما قال النبي ﷺ: «‌التَّائِبُ ‌مِنَ ‌الذَّنْبِ، ‌كَمَنْ ‌لَا ذَنْبَ لَهُ» (رواه ابن ماجه وصححه الألباني) فإذا قُدّر أن هذا الإنسان ضعُف مرة ثانية وغوته نفسه والشيطان، ووقع في الذنب، فالواجب عليه أن يتوب مرة ثانية، توبةً مستكملة لأركانها، وهكذا، وما دام على تلك الحال فإنه بخير.

وقد جاء في الحديث أن الله -سبحانه وتعالى- يُثني على هذا العبد الذي يتوب بهذه الطريقة، كما في قوله ﷺ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل، قَالَ: «أَذْنَبَ ‌عَبْدٌ ‌ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ» [رواه مسلم] فهذا يدل على أن الله تعالى يُحبُّ من عبده أن يفعل هذا وأن يجدد توبته، ويعود إليه في كل مرة.

فاستمري على هذا وعلى تجديد التوبة، وخذي بأسباب الثبات على التوبة بعد تحصيلها، ومن أعظم هذه الأسباب: الصحبة الصالحة والرفقة الطيبة، فاحرصي على مصاحبة النساء والفتيات المؤمنات، وشاركيهنّ في البرامج النافعة الدينية والدنيوية، وأكثري من سماع المواعظ التي تذكّرك بالله وبلقائه، والجنة والنار؛ فإن هذا من شأنه أن يُحيي القلب، ويُحيى فيه عبادة الخوف من الله تعالى، وعبادة الرجاء والطمع في ثوابه.

فإذا قَوِي الإيمان في قلب الإنسان، صار القيد يمنعه من الوقوع في المعاصي، كما قال النبي ﷺ: «‌الْإِيمَانُ ‌قَيَّدَ ‌الْفَتْكَ» (رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني) فالإيمان الحقيقي يقيّد المؤمن عن التصرفات الشنيعة والأفعال العدوانية، التي تتنافى مع أخلاق الدين.

نسأل الله تعالى أن يوفقكِ لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً