الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يلهمني الله الدعاء في أوقات الإجابة... على ماذا يدل هذا؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

خلال السنة الماضية وحتى الآن، كنتُ أدعو الله أن يهبني شخصًا معيّنًا زوجًا ونصيبًا، ويرزقني منه الذرية الصالحة، وعند قراءتي لعلامات استجابة الدعاء قبل الدعاء، وأثناءه، وبعده؛ أجد أن الله قد وهبني الدعاء له، وأشعر براحة وسكينة، كما أنني أدعو الله في أوقات يُرجى فيها استجابة الدعاء، وأجد أنه يُلهمني الدعاء في تلك الأوقات وخلال اليوم، وألاحظ أنني أُكثر من الاستغفار أيضًا.

لكنني أرغب في معرفة: هل انطلاق اللسان في الدعاء تعني أن الله يُلهمني أدعية بصيغ أخرى، أم أن خفة اللسان في الدعاء تعني أنني أدعو بما أعرفه من أدعية مأثورة؟ إذ إن لساني يكون خفيفًا، وأدعو دون عناء، وأشعر بعدها براحة وسكينة.

كما أتساءل: هل لا بدّ أن يكون العسر قبل الفرج شديدًا؟ فقد مررتُ بفترة من التوتر الشديد، ولكنني لا أعلم هل يُعدّ هذا من قبيل الهمّ الذي يكون قبل الاستجابة؛ لأنني الآن أشعر براحة وطمأنينة، وثقة ويقين بأن الله تعالى يُدبّر لي الأمر في الوقت المناسب.

وتأتيني في بعض اللحظات مشاعر قوية كأن شيئًا سيحدث، وكأن الشخص الذي دعوتُ الله أن يكون نصيبي سيطلبني من أهلي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فتاة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

نشكر لكِ تواصلكِ بالموقع، ونهنئكِ بفضل الله تعالى عليكِ حين حبَّب إليكِ عبادة الدعاء، فالدعاء من أجلِّ العبادات، وأرفعها قدرًا عند الله سبحانه وتعالى، وقد قال النبيُّ ﷺ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ»، فهو عبادة كريمة، عالية القدر عند الله تعالى؛ لأنها تدلُّ على يقين الإنسان بفقره وغنى ربّه سبحانه، وأن الله -سبحانه وتعالى- جواد كريم، وفيها إظهار التذلُّل والخضوع لله، لذلك قال النبي ﷺ «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ».

وإذا أراد الله بعبده خيرًا فتح له باب الدعاء، ويسَّر له الدعاء، وفتحُ باب الدعاء علامة على أن الله -سبحانه وتعالى- يريدُ لهذا الإنسان خيرًا، ويريدُ -سبحانه وتعالى- أن يسوق إلى عبده الأرزاق والخيرات، ولذلك ألهمه الدعاء.

وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- كما ذكر ذلك ابن تيمية وابن القيم، قال رضي الله عنه: «إني لا أحمل همَّ الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء، فإن الإجابة معه»، والشاعر نظَمَ هذا فقال:
لو لم تُرِدْ نَيْلَ ما أرجُو وأطلبُهُ *** مِن جُودِ كفِّك ما عَوَّدتني الطَّلَبا.

قال ابن القيم رحمه الله: "فمن أُلهم الدعاء فقد أُريد به الإجابة فإن الله -سبحانه وتعالى- وعد بذلك، فقال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] ".

وشعوركِ بالراحة والسكينة والطمأنينة إذا قمت بهذه العبادة، علامة أخرى أيضًا على أن الله -سبحانه وتعالى- يريدُ بك التوفيق، ويريدُ منك الاستمرار في هذه العبادة.

ولا تنتظري بالضرورة أن يجيب الله تعالى دعائك، بمعنى أن يُعطيك في نفس الأشياء التي تطلبينها بعينها، بل ينبغي أن تفوضي أمورك إلى الله تعالى ليختار لك ما هو الخير، فهو -سبحانه وتعالى- أرحم بكِ من نفسك، ومع هذه الرحمة الواسعة هو أعلم بمصالحك منك، ولهذا عودنا النبي ﷺ وعلَّمنا أن ندعو في دعاء الاستخارة فنقول: «اللَّهُمَّ إني أستخيرُكَ بعلمِكَ، وأستقدِرُكَ بقدرتِكَ، وأسألُكَ مِن فضلِكَ العظيمِ، فإنَّكَ تقدرُ ولا أقدرُ، وتعلمُ ولا أعلمُ، وأنتَ علامُ الغيوبِ...».

فهذه السنة النبوية فيها تعليم هذا المسلم أن يفوض الاختيارات لله تعالى، هو يدعو الله تعالى نعم، ويحرص على أن يسأل ربه كل شيءٍ يراه خيرًا ونافعًا له، كما قال النبي ﷺ: «حتى شِسْعَ نعْلِه» يعني: إن الله تعالى يحب أن نسأله كل شيءٍ حتى الأمور اليسيرة السهلة ممَّا نراه خيرًا ونافعًا لنا، ولكن بعد هذا الدعاء وهذا السؤال ينبغي أن نرضى بما يُقدّره الله تعالى ويختاره لنا، فقد يكون الخير في غير ما نتمنى، كما قال تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْـئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْـئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

والاستجابة لا تعني بالضرورة أن يُعطي الله تعالى الإنسان نفس الشيء الذي سأله، بل قد أخبرنا النبي ﷺ عن مظاهر الإجابة، وأنها:
- قد تكون بأن يُعطيه الله تعالى نفس ما سأل.
- وقد تكون بأن يدفع الله تعالى عنه من المصائب والمكروهات بقدر ما دعا؛ فإن الدعاء يصعد والبلاء ينزل فيعتلجان في السماء، يتصارعان في السماء، فيدفع الله تعالى بالدعاء مكروهات كثيرة عن الإنسان، من حيث يشعر، ومن حيث لا يشعر.
- ومن مظاهر الإجابة أن يدَّخَر الله -سبحانه وتعالى- للإنسان هذه الأمنيات وثواب هذا الدعاء، فيوفيّه إيَّاها يوم القيامة، وحينها يفرح بها فرحًا عظيمًا، وربما تمنّى أن الله تعالى لم يستجب له شيئًا في الدنيا، لما يراه من عظيم الثواب وجزيل العطاء في الدار الآخرة.

وقد ورد هذا في حديث النبي ﷺ فقال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللهَ بِدَعْوَةٍ، لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا». قالوا: يا رسول الله، إذًا نُكثِر، قال: «اللَّهُ أَكْثَرُ».

فالله تعالى أرحم بنا وأعلم بمصالحنا، ولذلك قد يختار لنا خلاف ما كنَّا نتمنّى، فينبغي أن نفوّض الأمور إلى الله، ونجتهد في الدعاء ونأخذ بأسباب الإجابة، ونفوض الأمور إلى الله تعالى ليختار لنا الخير، ونرضى بعد ذلك بهذا الاختيار، فهو -سبحانه وتعالى- أعلم بما يصلح.

وإذا أيقنت بهذا اليقين وأدركت هذه الحقيقة وكانت حاضرةً دائمةً معكِ؛ فإنك ستجدين السعادة، ولن تتضايقي أو تتوتري إذا لم تري الإجابة في نفس الأشياء التي تسألينها.

أمَّا ما سألت عنه الفرج بعد الشدة، فلا يُشترط أن تكون الشدة قوية، بل الله -سبحانه وتعالى- ييسّر الأمور كلها ويُفرِّج الكروب كلها، صغيرها وكبيرها، فأحسني ظنّك بالله -سبحانه وتعالى- واستمري على ما أنت عليه من هذا اليقين بالله وحُسن الظنِّ به وأملي الخير منه، فإنه -سبحانه وتعالى- أهلٌ لكل جميل وظنٍّ حسنٍ، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي: «أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ».

نسأل الله تعالى لك التوفيق والتسديد، وأن يختار لك الخير، ويبلغكِ آمالك من الخيرات.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً