الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كنت على معصية ووقع زلزال فأصبت بهلع مستمر، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حدث زلزال منذ فترة، وكنت حينها أرتكب ذنبًا، وهو مشاهدة مقاطع إباحية، ومنذ ذلك الوقت أصابتني نوبات هلع وندم شديد؛ لأن الزلزال وقع بينما كنت أقوم بذلك الفعل، ومنذ تلك اللحظة لم تختفِ النوبات.

ذهبتُ إلى عدد من الأطباء النفسيين، وبدأت تناول أدوية مضادّة للاكتئاب، لكن رغم ذلك لا يزال ضميري يؤنّبني، وألوم نفسي على ما فعلت، وأخشى أن لا يغفر الله لي، وكل يوم أستيقظ وأنا أشعر بالخوف والاكتئاب.

الأدوية التي أتناولها حاليًّا هي "شيزوفاي 10 ملغ" و"سيرباس"، وقد مضى على استخدامها ثلاثة أسابيع، لكنني لا أشعر بتحسّن واضح.

كما أنني أشعر برعشة في جسدي، خاصةً في اليدين، بالإضافة إلى هبوط وهمدان، ولا أعلم إن كانت هذه الأعراض ناتجة عن الأدوية، أم عن سبب آخر.

وسؤالي هو: هل سيغفر الله لي؟ وكيف أتجاوز هذه الحالة؟ وهل من الممكن أن تكون هذه الأدوية هي السبب في تلك الرعشة والهبوط الشديد؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميرا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرًا على استشارتكِ التي اطّلعتُ عليها، والتي ذكرتِ فيها أنكِ تراجعين الأطباء النفسيين، وأنكِ تستعملين أدوية للاكتئاب؛ مما يدل على أن تشخيصك كان وجود حالة اكتئاب، ولكِ الآن فترة علاج تُقدّر بحوالي ثلاثة أسابيع.

أولًا: أعتقد أنكِ اتّبعتِ السلوك الصحيح في البداية، وهو استشارة الطبيب النفسي؛ لأن هذا مهم، لما له من دور في تقييم الحالة بشكل علمي، وإعطاء الإرشادات الصحيحة، ومن ثم تقييم الأعراض التي ذكرتِها، ثم اختيار الدواء المناسب.

- إن (شيزوفاي schizofy) دواء قد يسبب خمولًا، ودوخة ورعشة خفيفة أحيانًا.
- وإن (سيرباس، Serpass) دواء مضاد للاكتئاب، قد يؤدي في الأسابيع الأولى إلى بعض القلق الجسدي، أو ارتجاف، لكنه غالبًا ما يخفّ تدريجيًا.

وقد أشرت في الاستشارة إلى أنك تتناولين هذين الدواءين منذ ما يقارب ثلاثة أسابيع، ومن المهم الاستمرار في العلاج؛ إذ إن هذه المدة لا تكفي عادةً لتحقيق تحسّن ملحوظ في الأعراض النفسية التي تعانين منها، مثل مشاعر الخوف، ولوم النفس، والإحساس بالذنب الناتج عن حادثة سابقة.

وهذه الأعراض تحتاج إلى وقت أطول لتبدأ بالانحسار تدريجيًا، ويُراعى في ذلك الخطة العلاجية الموصوفة من الطبيب المختص.

وهذه الأعراض تحتاج وقتًا لتزول تدريجيًّا، وقد تأخذ في البداية بين ثلاثة إلى ستة أسابيع حتى تبدأ نتائج العلاج بالظهور، ومن ثم بعد ذلك لا بد من الاستمرار على الدواء؛ إذ قد تمتد فترة العلاج إلى ستة أشهر أو أكثر.

ومن المهم أيضًا مراجعة الطبيب إذا لم تحدث استجابة كافية، لأن الطبيب قد يحتاج إلى ضبط الجرعة، أو زيادتها تدريجيًا لتكون أكثر فعالية، أو حتى تعديل الدواء إذا وُجدت أعراض جانبية، وخاصةً أنكِ ذكرتِ حدوث رعشة في الجسم وفي اليدين، وهبوط عام.

ومن الأسئلة المهمة: هل هذه الأعراض نتيجة للدواء؟
بالطبع، لا بد من مراجعة الطبيب النفسي الذي وصف لكِ العلاج، ليتم تقييم هذه الأعراض، وهل لها علاقة بالدواء أم لا، فهناك أدوية أخرى كثيرة يمكن استخدامها، وقد تكون فعّالة في مثل حالتكِ.

أما سؤالُكِ عن الذنب، وهل يمكن أن يُغفر لك؟ وكيف تتخطين ذلك؟
أولًا: طالما أنكِ إنسانة مؤمنة والحمد لله، فإن الله يغفر الذنوب جميعًا؛ المهم في الإيمان أن نُوقن بأن الله -سبحانه وتعالى- يغفر الذنوب جميعًا ما لم نشرك به سبحانه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِلَّا أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: 48]، وبالتالي هذا الإيمان القوي بالله -سبحانه وتعالى- يفتح لكِ باب التوبة، والله تعالى يقبل التوبة كلما تاب إليه الإنسان، ما لم يُغرغر ولم تبلغ روحه الحلقوم، وما حدث منك هو من جملة الأخطاء التي تحصل للإنسان، ولكن خير الخطائين التوابون، وطالما أن الإنسان تاب مما فعل توبة نصوحًا، فقد تحقق -إن شاء الله- شرط القبول، وأنتِ الآن تسيرين في طريق التوبة.

لذلك، أرجو ألَّا يشغلكِ هذا الأمر كثيرًا، وإنما اجعلي كل تركيزك على الجوانب الأخرى التي تُعينكِ على التوبة، ومنها الاستعانة بالجوانب الروحية في حياتكِ؛ مثل المحافظة على العبادات، وقراءة القرآن الكريم، فهذه الأعمال -إن شاء الله- ستكون محفزة ومعززة للخطة العلاجية، وبذلك تزول هذه النوبة من الاكتئاب التي مررتِ بها.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعجّل لكِ بالشفاء.
________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عمر آل طاهر، استشاري الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد سعيد الفودعي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
________________________________

مرحبًا بكِ -ابنتنا الكريمة- مرة أخرى في موقع سلام ويب، نشكر لكِ تواصلك بالموقع وحرصك على معرفة ما يجب عليكِ للتخلص من آثار ذنبك، وهذا دليل على رجاحة عقلك وحُسن في إسلامك، ونسأل الله تعالى أن يوفقكِ لكل خير.

وقد أفادكِ الأخ الفاضل الدكتور/ محمد عمر، بما يفيدكِ وينفعكِ من النصائح والتوجيهات، لمداواة ما أصبت به من نوبات الهلع والخوف، ونسأل الله تعالى أن يعجّل لكِ بالشفاء، ويُذهب عنكِ كل سوء ومكروه.

أمَّا آثار هذا الذنب الذي فعلته، فإن هذه الآثار مهما عظمت ومهما كثرت، فإن الله تعالى يمحوها بالتوبة الصحيحة، فإن التوبة تمحو ما كان قبلها من الذنب، وقد قال الرسول الكريم ﷺ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنبَ لَهُ» (رواه ابن ماجه)، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، فالله تعالى يغفر الذنوب كلها ولا يتعاظمه ذنب إذا صدقتِ في توبتكِ إلى الله تعالى.

ومعنى الصدق في التوبة أن تحققي أركان التوبة، والتوبة لها أركان ثلاثة:
-الركن الأول: الندم على فعل الذنب والمعصية.
-والركن الثاني: العزم على عدم العودة لهذا الذنب في المستقبل.
- والركن الثالث: الإقلاع عن الذنب في الوقت الحاضر.

فإذا استوفيتِ هذه الأركان الثلاثة، فإن الله تعالى يقبل توبتكِ ويغفر ذنبكِ، فقد قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾.

ونحن نجزم بأن الله تعالى يقبل التوبة، ويكفّر بها الذنوب الماضية إذا استكملتْ هذه التوبة هذه الأركان الثلاثة.

فكوني مطمئنة البال، مستريحة إلى سعة رحمة الله تعالى وعفوه، مُوقنة أن الله تعالى سيغفر لكِ ذنبكِ، واجتهدي أنت فيما يجب عليه أن تفعليه من تحقيق هذه الأركان الثلاثة كما قلنا، ومن الأخذ بالأسباب التي تُعينكِ على الاستمرار على هذه التوبة، ومن أهم هذه الأسباب الصحبة الصالحة والرفقة الطيبة، فحاولي أن تتعرفي إلى النساء الصالحات والفتيات الطيبات، وتشغلي وقتكِ معهن بما يفيدكِ وينفعكِ من البرامج النافعة في دينٍ أو دنيا.

حافظي على الفرائض، واجتنبي المحرمات، وتيقني أن الله تعالى سيكون معكِ مُعينًا وهاديًا ومرشدًا.

نسأل الله تعالى أن يوفقكِ لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً