الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغير أحوال من أريده زوجًا: هل هو بسبب الحسد أم سحر التفريق؟

السؤال

السلام عليكم.

كيف أفرق بين سحر التفرقة، والحسد الشديد؟

أنا مرتبطة بشخص، والأهل يعلمون بذلك، ولم تتم الخطبة بشكل رسمي لأسباب الدراسة، ولي صديقة دائمًا ما تقارن بينه وبين زوجها، وأنه أغنى، وغير ذلك، ودائمًا عندما تتكلم في سيرته تحصل لي مشكلة كبيرة وغير مبررة معه، ويختفي فجأةً، ولو كلمني يقول لي: أنا لست مرتاحًا معك، ولا أستطيع أن أكمل، وبدون سبب، وقد مضى على علاقتي معه 4 سنوات.

ولكنني عندما أخبرتها بأنني قطعت علاقتي به، مضت 5 أشهر دون حدوث أي مشكلة، ثم أصبحت تسألني لماذا توقفت عن إخبارها بشيء، فتعاتبنا، وقطعت علاقتي بها.

بعد خمسة أيام تقريبًا انقلب حاله مرةً أخرى، ولم يعد يرد على مكالماتي، ولم يعد أي شيء بيننا، ولم أعد أفهم هل هذا حسد، أم سحر تفرقة؟

مع العلم أن زوجها الحالي لم يكن يحبها نهائيًا، وتفاجأنا كلنا بأنه تزوجها بسرعة شديدة، وأن هناك عدة أشخاص قالوا بأنها عملت له عملاً، فكيف أعرف الفرق بين السحر والعين؟ ولماذا يؤذيني أحد بهذه الطريقة لمجرد أنني اجتماعيًا وحالاً أفضل منه؟

أنا لست ملتزمةً بصلاتي كثيرًا، وعلاقتي بربنا متوسطة، وأخاف أن يتمكن الشيطان مني، ودائمًا ما تحصل المشاكل في الأسبوع الذي قبل الدورة الشهرية، حتى لو تغير وقتها.

وشكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في إسلام ويب، ونشكر لك صدقك في عرض المشكلة، وحرصك على فهم الأمور من زاوية شرعية وواقعية، وهذا أول باب الخير -بإذن الله-.

بنيتي الكريمة: دعيني أبدأ بالأهم، ثم أنتقل لتحليل الحالة:

أولًا: هذا التواصل ليس مباحًا شرعًا: رغم أن نيتك طيبة، ومشاعرك صادقة، إلا أن هذا الشاب يظل أجنبيًا عنك شرعًا، ولا يحل لك الخروج معه، ولا الخلوة به، ولا مكالمته الخاصة، إلا بعد عقد شرعي، ومعرفة الأهل بعلاقتكما، أما نية الزواج فلا تبيح شيئًا من ذلك، فكل علاقة غير منضبطة بضوابط الشرع هي بابٌ لوسوسة الشيطان، وبابٌ للوجع النفسي، والتعلق المؤذي، والصراع الطويل.

ولهذا، فخطوتك الأولى -وليس آخر حل- هي:
- أن تتعجلي العقد، أو تُغلقي هذا الباب حتى يتم عقد رسمي، وتجتهدي في إرضاء الله أولًا،؛ لأنه لا يُصلح قلبًا تعلّق بغيره قبل أن يتطهّر إليه، والذي يبدو من حالك -والله أعلم- أن ما بينك وبين هذا الشاب ليس سحرًا محضًا، بل هو مزيج من:

- تعلق عاطفي خارج الإطار الشرعي.
- تدخّلات بشرية مؤذية (حسد، أو غيرة من الصديقة).
- تأثيرات نفسية ومزاجية عند اقتراب الدورة الشهرية، وهذه حقيقة طبية معروفة.

ثانياً: كيف أفرق بين السحر والحسد؟
- الحسد: يخرج من نفسٍ مريضة، تتألم إذا رأت النعمة عند غيرها، وتتمنى زوالها، وقد يقع الحسد بمجرد النظر أو الكلام، دون أن يشعر الحاسد بنفسه أحيانًا، فإذا كنتِ في علاقة طيبة، وكان من حولك يُكثر من النظر، أو المقارنة، أو الكلام عنكِ، وبدأت تلاحظين مشاكل خفيفة، لكنها تتكرر كلما أخبرت أحدًا، أو فرحت، فهذا أقرب إلى الحسد.

- أما السحر: فهو شرٌّ أعظم، متعمّد، مقصود به تخريب العلاقة، ولا يكفي فيه الحسد، ولا النظرة، بل لا بد من أن يقوم به ساحر، ويتعاون فيه شيطان، ويُستخدم أثرً من المسحور.

وأسوأ ما في السحر: أنه يُفسد الشعور نفسه؛ حتى يشعر كل طرف أن الطرف الآخر مؤذ، أو ثقيل، مع أن عقله يعرف أنه كان يحبه بالأمس، ولذا فإن الغالب على حالتك أنها عين، أو حسد.

وعلاجه فيما يلي: العودة إلى الله، والتحصن بذكره، والمداومة على الرقية، وستر النعمة، والبعد عن المعصية، وما خاف عبدٌ من الحسد أو السحر، وهو في طاعة إلا وقاه الله، وما أُصيب أحد به، فاستقام على الذكر والصلاة، إلا ورفعه الله عنه.

فثقي بالله؛ فهو الحافظ، وهو الذي قال: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾، وهو القائل: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.

ثالثا: لماذا قد تُؤذين؟
ليس كل من آذاكِ "يتعمّد إيذاءك"؛ فأحيانًا يقع الحسد من شخص لا يقصد، بل من نظرة فيها غيرة ودهشة بلا تحصين منكِ، ولا ستر للنعمة، ولكن أحيانًا وبغض النظر عن صديقتك، هناك من يحسد، ويؤذي عمدًا، وخاصةً إن اجتمع عنده: غيرة، ومقارنة، ونقص داخلي، وميل للعدوان، وقد قال النبي ﷺ: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين".

رابعًا: ماذا تفعلين الآن؟
1. أغلقي باب العلاقة حتى يتم عقد شرعي؛ فما دام الأمر غير رسمي، فتوقفي عن المكالمات، ولا تعلقي قلبك بمن لم يُعلنك زوجةً.

2. اجعلي علاقتك بالله هي الأساس، وابدئي من اليوم بالعودة إلى الصلاة، والاستغفار، وقراءة القرآن، ولا تخافي من الشيطان إن كنتِ في طاعة الله.

3. حصّني نفسك يوميًا بالأذكار، وقراءة الفاتحة، وآية الكرسي، والمعوذات (٣ مرات)، صباحًا ومساءً، قبل النوم، وبعد كل صلاة.

4. لا تُخبري أحدًا بنِعَمِك، ولا أسرارك العاطفية أبدًا.

5. كثرة الدعاء، وخصوصًا: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، "اللهم اكفنيهم بما شئت، إنك أنت السميع العليم".

6. إذا زادت الأعراض، فاستشيري راقيًا ثقةً إن بقيت حالات النفور الشديد، والاختفاء المفاجئ بعد الرقية، وتكررت بنفس الصورة، فيمكنك اللجوء لراقٍ شرعي ثقة ليرقيك، ويفحص إن كان هناك أي سحر.

خامسًا: رسائل قلبية لك:
- ما دام أن الله معك، فلن يضرك حسد، ولا سحر، ولا بشر.
- استقيمي مع الله، يأتيك الخير من حيث لا تحتسبين.
- لا تعلقي قلبك بأحد قبل أن يُعلنك زوجةً بين الناس.
- كل ألم تمرين به، يداويه الله إن اقتربتِ منه.

اللهم احفظ هذه الفتاة الطيبة، وطهّر قلبها من التعلق بغير ما ترضاه، واملأ قلبها حبًا لك، وثقةً بك، واصرف عنها كيد الحاسدين، وشر السحر، والحسد، والغيورين، واجعل لها من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً