الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النفور من الخاطب بعد القبول الأولي: هل هو طبيعي أم وساوس من الشيطان؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تقدم لي ابن صديقة أمي، وهو شخص جيد، جلسنا للرؤية الشرعية مرتين، وكنا متوافقين، وكنت سعيدة، ولكن شعرت بعد ذلك -ودون سابق إنذار- بضيق وهجوم الأفكار السلبية، بأنه ليس مناسباً لي، وأن هذه ليست الحياة التي يجب أن أعيشها، استعذت بالله من الشيطان، وحاولت تشتيت هذه الأحاسيس، لكنها استمرت حتى الجلسة الثانية، وطوال هذا الوقت كنت أستخير وأدعو الله، وأستعيذ من الشيطان كلما زاد الضيق، وحدث في المرة الثانية كما في الأولى، وانتهت الجلسة وأنا سعيدة وموافقة عليه، لكن عادت نفس الأفكار السلبية، ونفس الشعور بالضيق.

الآن نحن نتواصل لنتعرف إلى بعضنا أكثر، وهو مسافر، والإحساس ذاته عندي، بل أحيانًا أستثقل رسائله، وأشعر أنني أرد بدافع الواجب، وأغضب من أهلي إن حاولوا إظهار السعادة بخطبتي.

هو شخص جيد، وبيننا توافق كبير، وبه كثير مما كنت أبحث عنه، لكن الأحاسيس السابقة تثير حنقي، فأنا لا أعرف هل هي مخاوف طبيعية، أم وساوس من الشيطان، أم قد تكون نتيجة استخارة وتحذير، لكن لا أجد شيئاً أرفضه لأجله.

أنا لا أبرح صلاة الاستخارة، ودعاء الله أن يهديني للاختيار الصحيح، وأستعيذ بالله من الشيطان كلما ساورتني هذه الأفكار والضيق، وأدعو الله، ولكن لا تنفك هذه الأفكار عني، وشعور الضيق لا يذهب أبدًا، هو يريدني وسعيد بهذا التقدم ويتحدث بشغف، ويحاول أن يسعدني ويكتشفني، لكني أشعر بالذنب الدائم، لأني لست مقبلة عليه، وأحيانًا أنفر منه.

أريد أن أحدد مشاعري، حتى لا أبقيه في المكان الخاطئ فترة طويلة، فهل في رأيكم إذا استمرت هذه الأفكار، بعد جلسات شرعية، وأسبوع من التواصل، هل ترون أن أنهي الأمر، أم هذه الأحاسيس يجب ألا ألقي لها بالًا، أم تنصحون بتطويل مدة التواصل قبل اتخاذ القرار؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ضحى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، وحسن عرض للسؤال، ونسأل الله أن يُقدِّر لك الخير، وأن يصلح الأحوال.

أنتِ في مقام بناتنا وأخواتنا، وننصحك بعدم التفريط في الشاب المذكور، بعد أن حصل بينكما التوافق والأُنس، والميل المشترك والتجاوب، والعبرة بما حصل في البدايات، أمَّا ما يحدث بعد ذلك من تشتيت للمشاعر، أو من ضيقٍ أحيانًا، أو من تخوفاتٍ، فهي وساوس من الشيطان، وكل ذلك لا ينبغي أن تقفي عنده طويلًا؛ لأن الشيطان لا يريد الحلال والخير، بل يريد لنا أن نفشل في هذه العلاقات، فهو حريص على إفشالها في البداية، وحريص على منع استمرارها، ويفرح بحدوث الطلاق والفراغ بين الأزواج، بل يُعتبر التفريق بين الزوجين وبين الناس، وغرس العداوة، تعتبر هدفاً من أهداف الشيطان الكبرى، وذلك بغرس العداوة والبغضاء.

ورد في الحديث أن الشيطان يبعث سراياه في الناس، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً، يجيء أحدهم فيقول: (فعلتُ كذا وكذا) فيقول له: (ما عملتَ شيئًا، مَا صَنَعْتَ شَيْئًا) حتى يأتيه مَن يقول: (مَا تَرَكْتُهُ ‌حَتَّى ‌فَرَّقْتُ ‌بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ)، فيقول: (فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ) يفرح بهذا الإنجاز، ولذلك استمري، مخالفة لهذا الشيطان.

الأمر الثاني: شعور الخوف الذي يتحول بعد الإعجاب إلى شعور بالمسؤولية، والتفكير في مفارقة الأهل، والدخول إلى حياة جديدة، وتحمل مسؤولياتها، والدخول إلى عالم، جزء منه غير معروف، فهذه كلها مخاوف في محلها، لكن لا ينبغي أن تزيد عن حدّها فتنقلب إلى ضدها، لذلك المرأة العاقلة أوصت ابنتها فقالت: "إنك خرجتِ من العش الذي ألفتِه، إلى بيت لم تعرفيه، وإلى قرينٍ لم تألفيه"، ثم قالت لها: "كوني له أرضًا يكن لك سماءً، وكوني له أَمَةً يكن لك عبدًا". من الطبيعي أن الإنسان يخاف إذا أراد أن ينتقل، إذا بدّل مكان نومه، إذا انتقل من بيتٍ إلى بيت آخر، إذا سافر من مدينته إلى مدينة أخرى، فكيف إذا كانت الفتاة ستخرج من بيت أمّها الذي درجت فيه، وبيت والديها، إلى بيتٍ جديد، وإلى مسؤوليات جديدة، بعد أن كانت مدللة، ستصبح مسؤولة عن زوج وأبناء، تقوم بواجبها، وتتعاون معه، ويتعاون معها.

كل هذا سبب لما يحدث بعد ذلك من الضيق الذي يتبع تحمّل المسؤولية، أو لنقل: الخوف من المستقبل، هذا أيضًا كله يتلاشى عندما يحصل اللقاء، وعندما تكون الزوجة مع زوجها تحت سقف واحد، فإن كل هذه المشاعر السالبة تتلاشى، وتشعر عندها بفرح هذا اللقاء بزوجها، وما من إنسان تزوج امرأة إلَّا ندم أنه أخّر الزواج، ويتمنى لو أنه بكَّر، لما في هذا من اتباع للسنة النبوية، فسُنَّة الأنبياء النكاح، لما فيها من المودة والمتعة، والسعادة للطرفين.

أمَّا ما يحصل رغم وجود الاستخارة، فيأتي من كثرة التفكير، فالاستخارة طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير، وليس من شرطها أن الإنسان بعدها يكون مبتهجًا، لا، هناك صعوبات طبيعية، تواجه كل من يريد الزواج، وكل من يريد أن يؤسس حياة، وبالتالي لا تتأثري إذا واجهتك صعوبات وأنتِ تسيرين في هذا الطريق، فالدنيا من أولها إلى آخرها تعب، كما يقول الشاعر:

جُبلت على كدر، وأنتِ تريدها*** صفوًا من الأقذاء والأكدار
ومُكلّفُ الأيام فوق طباعها*** متطلب في الماء جذوة نار

فلا مانع من التواصل، في حدود الأدب، فهو ما زال خاطباً، وليس محرماً لك، فالخطبة وعد بالزواج فقط، وقللوا من كثرة الاتصالات، لأنها ستؤثر على حياتكم المستقبلية، ومنها هذا الشعور الذي يصيبك، ولا تتأثري بأي أفكار سلبية، وتعوذي بالله -تبارك وتعالى- من الشيطان، واعلمي أن الوالدة لن تختار لك إلَّا الخير، وهذا زواج تقليدي يعتبر من أنجح أنواع الزيجات؛ لأن والدته تعرفك وتعرف ولدها، ووالدتك تعرف ابنتها وتعرف الشاب الذي طرق بابها، وأحرص الناس على مصالحنا هم الآباء والأمهات، وحبذا لو عجَّلتم في إتمام المراسيم.

أيضًا لا بد أن نستصحب قاعدة عامة لنا جميعًا، أننا بشر والنقص يطاردنا، فلا تتصور الفتاة أنها ستجد شابًا بلا نقائص، ولا يتوقع الشاب أن يجد امرأة بلا عيوب ولا نقائص، فنحن بشر والنقص يطاردنا، وقد قال الشاعر:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها … كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

وقد قيل:
من ذا الذي ما ساء قط … ومن له ‌الحسنى ‌فقط

نسأل الله -تبارك وتعالى- لنا ولكم التوفيق والسداد، ونكرر الشكر على التواصل مع الموقع، ونقول: لا تُغيِّري هذا القرار، ولا تُضيِّعي هذه الفرصة، ونسأل الله أن يجمع بينكما في الخير وعلى الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً