الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعوت الله كثيرًا ولم تتحقق دعواتي، فهل الله غاضب عليّ؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعيش في قلق وتوتر منذ سبعة أشهر، وأنا بلا عمل، وكلما تيسرت الأمور واقترب الخلاص، وأشعر أنني قد اقتربت من الحصول على وظيفة، تحدث أشياء أخرى، وعقبات تعيق ذلك.

ومع ذلك لم أتوقف عن الدعاء، وطلب الأوقات التي يكون فيها الدعاء مستجابًا، أصلي بعد منتصف الليل، وأجتهد في الدعاء، وأبكي وأنا ساجد، وأتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فهو يوسوس لي بأن الله سبحانه وتعالى غاضب عليّ، ولذلك لا يستجيب لي.

وأصبح كلام الناس عني بأنني نحس، ولكني قرأت من قبل أن الله سبحانه وتعالى إن ألهمني ويسر لي الدعاء، فبإذنه تعالى سوف يستجيب لي عاجلاً غير آجل، وأنه سبحانه لا يعلق قلب أحد بشيء لم يكن مكتوبًا له.

أفيدوني بالله عليكم، ماذا أفعل؟

الإجابــة

سم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ طالب الستر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أخي الفاضل: الحياة مليئة بالمكدرات والمنغصات والابتلاءات، ولكن ليس صحيحًا أن يستسلم الإنسان لهذه المنغصات، وأن يبقى قلقًا متوترًا، بل عليه أن يتوكل على ربه سبحانه وتعالى، وأن يتفاءل بالخير، فإنه مهما طال الليل بظلامه فهو مؤذن باقتراب الفجر، وفي القرآن يقول الله تعالى: {فإن مع العسر يسرًا * إن مع العسر يسرًا} [الشرح: 6].

والواضح من خلال رسالتك أنك تحمل هموم العمل والوظيفة والبحث عنها، وأن هناك عقبات -حسب تعبيرك- تحول بينك وبين ما تؤمله من وظيفة، فلا عليك، فإن الإنسان يتقلب في هذه الحياة، ولن تستمر الحياة على وتيرة واحدة، فلا تيأس.

واسْمَع ما قاله نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-: "إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها على الله، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته" [صحيح الترغيب].

أخي الكريم: أحيي فيك هذا الأمل، وهذا الإيمان، وأنك لم تتوقف عن الدعاء والتماس أهم الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، ولا سيما وأنت تدعو ربًا كريمًا سميعًا، سبحانه وتعالى، الذي قال في محكم تنزيله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وخاصة إذا صاحب الدعاء في هيئة تكون أقرب إلى الإجابة، وهي السجود والبكاء، فداوم على هذه الحالة، وأبشر بالخير، ولا تستعجل، فلعل الله تعالى يحب أن يسمع صوت دعائك، مع بذل الأسباب المادية الواقعية.

أخي الكريم: إياك أن تستعجل في الدعاء ثم تيأس وتتركه، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي" [متفق عليه].

ودع عنك أقاويل الخلق فيما ذكرته في رسالتك من كلام قبيح بحقك، فإن أقاويل الناس لا تنتهي، وقد قال الله تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].

وأوصيك بهذه الأدعية النبوية، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل" [رواه مسلم]، فأكثر من هذه الاستعاذة، وكذلك ما جاء في حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن مكاتبًا جاءه فقال: "إني عجزت عن كتابتي" -أي لم يكن عنده مال يفتدي نفسه بإعتاقها-، فقال علي -رضي الله عنه-: "أما أعلّمك كلمات علمنيهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ لو كان عليك مثل جبلِ دِينَارٍ أدّاه الله عنك: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك" [رواه الترمذي وقال حديث حسن].

والزم أيضًا هذا الاسم العظيم يا ذا الجلال والإكرام، الزمها وكررها، ففي حديث أنس -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألِظُّوا بياذا الجلال والإكرام" [صحيح الجامع]، ومعنى "ألِظُّوا" أي التزموا هذه الدعوة وأكثروا منها.

أخي الكريم: واعلم أن إجابة الدعاء لا يستلزم حصولها، فإن الله سبحانه وتعالى قد يعطيك حاجتك في الدنيا، أو يصرف عنك من الشر مثلها، أو يدخرها لك في الآخرة، وإليك الحديث في ذلك، فعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا يا رسول الله إذا نكثر، قال الله أكثر) صحيح الترغيب.

فإياك أن تترك الدعاء حينما لا ترى إجابة، فهذا استعجال، وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي) متفق عليه.

وفي الختام: ما وفقك الله للدعاء إلا لما يريد لك من الخير العميم، فأسأل الله أن يفتح عليك أبواب الخير والرزق، وأن يعطيك ما تأمله، اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً