السؤال
السلام عليكم.
كيف يمكن للشخص أن يتحمّل ويخفّف من مصاعب الحياة، مع تفاوت شدّتها واختلاف مُددها؟ وماذا عليه أن يفعل ليتعامل معها بشكل صحيح؟
السلام عليكم.
كيف يمكن للشخص أن يتحمّل ويخفّف من مصاعب الحياة، مع تفاوت شدّتها واختلاف مُددها؟ وماذا عليه أن يفعل ليتعامل معها بشكل صحيح؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أخانا الفاضل- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل، وأن يفتح لنا جميعًا أبواب الخير والرشاد.
بدايةً: نحيّي فيك هذه الرغبة في التعلّم، والسعي الحثيث لمعرفة كيفية التعامل مع مصاعب الحياة، وهذا الأمر غاية في الأهمية، لما يترتب عليه من أثر مباشر في سلوك الإنسان، وشعوره بالسعادة والرضا والسلام الداخلي.
أخي العزيز: هناك مجموعة من القواعد المهمة والمعاني العميقة التي ينبغي أن تضعها نصب عينيك عند إدارة مصاعب الحياة، وسأعرضها لك بشكل مختصر:
أولًا: لا بد أن تدرك إدراكًا تامًا أن الحياة من طبيعتها الكدر والمكابدة، وأنها لا تستقيم على حال، بل تحتاج إلى جهد متواصل وسعي دؤوب لتحقيق ما ينفع، وتجنّب ما يضر، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بذلك في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾، وقوله سبحانه: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾.
إن إدراك هذه الحقيقة يخفف كثيرًا من حدة الصدمات، ويجعلك لا تبحث عن المثالية المطلقة، ولا تتوقع أن تكون الحياة خالية من المنغصات والآلام، فوجود المشاق والصعاب هو عين الحكمة؛ إذ به يتميز الخير من الشر، وتظهر القيم الفاضلة، ويُختبر الصابرون، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، فلولا هذه الابتلاءات لما عُرف العدل من الظلم، ولا الصادق من الكاذب.
ثانيًا: من أعظم ما يُستعان به على مواجهة صعاب الحياة: ترسيخ اليقين بالله تعالى، وتعميق الإيمان في القلب، فالإيمان يوجه الفكر والجوارح نحو الانضباط بمنهج الله تعالى، ويغرس في النفس السكينة والرضا، ويمنحها البصيرة للسير على طريق الاستقامة والخير، يقول الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾، ويقول أيضًا: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾، فالاستقامة على طاعة الله، والالتزام بما أمر، واجتناب ما نهى، تجعل الإنسان في رضا داخلي، وسكينة عظيمة تعينه على التعامل مع نفسه والآخرين.
وقد جاء في الحديث عن أبي عمرو سفيان بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: (قل آمنت بالله، ثم استقم) رواه مسلم.
ثالثًا: ومن أقوى ما يعين على مواجهة الصعاب: طمأنينة القلب بذكر الله تعالى، فالإنسان حين تعصف به الأزمات تصيبه انفعالات متنوعة؛ من قلق وتوتر وغضب واضطراب، وهنا لا علاج أصدق ولا أعمق من ذكر الله الذي ينزل السكينة على القلوب، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا اشتدت عليه الأمور قال: (يا بلال، أقم الصلاة، أرحنا بها)، فالصلاة عبادة جامعة للقرآن والدعاء والخضوع والذل لله.
رابعًا: لا بد من تعلّم فنون إدارة الأزمات والعلاقات، فالمواقف الحياتية لا تنتهي، وفيها المرّ والحلو، ومن لم يتدرّب على مهارات المواجهة، ستُنهكه الضغوط، وقد تترك آثارًا سلبية على نفسيته وأسرته ومحيطه، لذلك كان لزامًا على المرء أن يتدرّب على مواجهة الغضب، وأسباب البحث عن الرزق، وطرق تحمل مسؤولية الأسرة بإيجابية، وهكذا، فالعلم بالتعلُّم، والحلم بالتحلُّم.
خامسًا: تذكّر أن الشدائد أمر متوقع، وأنها ليست استثناءً بل هي القاعدة، فأفضل الخلق من الأنبياء والمرسلين والصالحين لم يسلموا من الابتلاء، قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾، فالحياة دار ابتلاء، تختلف شدتها وتتباين صورها: ضيق رزق، مرض، فقد، ظلم، قلق داخلي…، ولكنها جميعًا سنن جارية لتمحيص النفوس.
سادسًا: من المفاتيح العظيمة: استحضار الموجود، لا الغرق في المفقود، فمن يركّز على ما فاته، يضاعف آلامه، أما من يتأمل ما لديه من نعم – صحة، أسرة، عقل، ..الخ – يوازن نفسه ويجد عزاءً عظيمًا، قال تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)، متفق عليه.
سابعًا: اجمع بين الرضا والسعي؛ فالرضا يهبك الطمأنينة، لكنه لا يعني الركون والكسل، بل لا بد من بذل الجهد، والسعي لتحسين الواقع، مع الاعتماد على الله والتوكل عليه، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم:(احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز) رواه مسلم.
ثامنًا: اجعل لك صلة دائمة بالله تعالى عبر الدعاء والابتهال واللجوء إليه في كل حين، في الرخاء حتى يكون معك سبحانه حال الشدة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنهما-: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة».
تاسعًا: عش حياة متوازنة، فلا تجعل حياتك محصورة في جانب ضيق؛ كوظيفة أو علاقة أو مال، ثم تنهار إذا أصاب ذلك الجانب خلل أو ضيق، فالحياة أوسع، وأبواب الرزق والخير متعددة، قد يغلق الله بابًا ليفتح لك أبوابًا أخرى، وقد يبتليك ليكشف لك خيرًا أكبر مما تتصور، فلا تحبس نفسك في زاوية صغيرة، وانظر للحياة على أنها ساحة واسعة للفرص والعطاء.
عاشرًا: وسّع دائرة علاقاتك الاجتماعية، وابنِ روابط أسرية قوية، فالمحضن الأسري والاجتماعي الدافئ يخفف كثيرًا من وطأة الضغوط، ويقلل أثر الصعاب، الإنسان الذي يعيش في وسط مترابط وصحي يجد دائمًا من يسانده ويخفف عنه، وهذا من أعظم أسباب التوازن النفسي، الذي يعين على التغلب على مصاعب الحياة.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الثبات واليقين، وأن يعيننا على مواجهة صعاب الحياة بقلوب مطمئنة، وأرواح راضية، وعقول متزنة، وأن يجعل لنا من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا.
وفقك الله ويسر أمرك.