الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حياتي عبارة عن تصرفات يلزمني بها الوسواس، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني من الوساوس في بعض الأمور، ومنها ما يأتي:

1. عند تشغيل أسرتي للأضواء أو الأجهزة الكهربائية المستهلكة للكهرباء في غير ضرورة، أو خلال النوم، يرد في خاطري: هل يجب عليَّ إطفاؤها؟ مع أنني أقوم بإطفاء ما شغّلته بيدي.

2. أثناء الدراسة أو اللعب بالهاتف، تراودني أفكار أن أذكر الله، أو أشكره، أو أحمده، أو أصلّي على النبي ﷺ، أعلم أنها وساوس، لكن لا أدري هل يجوز تركها، فمثلًا: قد تأتيني فكرة تقول: "تأمّل نعمة عينيك، وتخيّل كم هي نعمة عظيمة، واشْكُرْ واحْمِد"، فإذا لم أفعل؛ أحسست كأني فضّلت اللعبة على الذكر أو الشكر وما شابههما.

3. عند حديثي عن أمرٍ ونقله لشخص آخر، قد أغيّر بعض التفاصيل، لكن ليس بقصد الكذب، بل لا أنقله حرفيًا 100% كما سمعته أو رأيته، فهل هذا يُعَدّ كذبًا أم لا؟

4. إذا وقعتُ في ذنب -صغيرًا كان أو كبيرًا- بقصد أو بغير قصد، تأتيني أفكار مثل: هل سيؤثر هذا الذنب على نتيجة امتحاناتي كما دعوت ربي؟ هل ستنقص درجتي بسببه؟ هل أنا مخطئ أصلًا أم لست مخطئًا؟ ثم تراودني وساوس: هل تركتُ الذكر لأجل اللعب؟ أو هل فضّلتُ اللعب على إطفاء النور الذي شغله أخي؟ أو نحو ذلك من الخواطر.

5. ما يتبقى في الصحون بعد الطعام: هل يجب أن أترك الصحن نظيفًا تمامًا (100%)؟ وهل أُحاسب على ما يبقى فيه من بقايا قليلة من الطعام؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الكريم- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول وبالله تعالى التوفيق:

أولًا: ترك الأجهزة التي تستهلك الكهرباء مشغلة دون الحاجة إليها، يُعدّ من الإسراف والتبذير المحرَّمين، والواجب إطفاؤها إذا لم يكن ضروريًا بقاؤها مشغلة، سواء كنت أنت من شغّلها أو غيرك، وإطفاؤها يُعدّ من باب التعاون على البر والتقوى.

ثانيًا: إذا تذكّر الإنسان نعمة من نعم الله تعالى فله أن يشكر الله على ذلك حتى يزيده من فضله، كما قال سبحانه: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، ولكن من الصعب أن يتوقّف الإنسان كلما تذكّر شيئًا أو رآه ليحمد الله ويشكره، ويكفي أن يحمد الله حمدًا عامًا ويشكره شكرًا عامًا، كأن يقول: "اللهم لك الحمد ولك الشكر على جميع نعمك وآلائك".

ثالثًا: إن كان الكلام فيه غيبة أو نميمة ويؤدي إلى فساد ذات البين، فلا يجوز نقله أساسًا، أمّا إن كان مجرد حكاية أو حدث، أو قال لك شخص: أوصل إلى فلان هذا الكلام، فإن قدرت أن توصله بنفس الألفاظ فذلك أفضل، وإن لم تستطع فلا بأس أن تغيّر في اللفظ دون أن يتغيّر المعنى بما يسبب مشكلة أو فسادًا.

وقد جوّز العلماء نقل الحديث النبوي بالمعنى، فالعلم بالمعنى جائز، فإذا جاز ذلك في الحديث النبوي فجوازه في كلام الناس من باب أولى.

رابعًا: اعلم أن الذنوب من أسباب الحرمان، فإن حُرم الإنسان ما يتمنى فليعلم أن سبب ذلك ذنوبه التي ارتكبها، حتى ولو دعا ربه أن يعطيه ما أراد فلم يُستجب له، وقد يكون هناك تقصير في الأخذ بالأسباب، كما لو لم يحصل على الدرجات التي تمنى بسبب تقصيره في المذاكرة، فيكون الحرمان لسببين، الأول: الذنوب، والثاني: التقصير في العمل بالأسباب.

خامسًا: قد يحصل الإنسان على مراده مع ارتكابه للذنب إذا توفرت الأسباب، وهذا يُعدّ استدراجًا من الله للعبد وإمهالًا له لعلّه يتوب ويرجع.

سادسًا: إبقاء اليسير من الطعام في الإناء أمر قد يكون لا بد منه أحيانًا، كحبّات يسيرة من الأرز، وهذه يمكن أن تُعطى للطيور أو للحيوان فيؤجر الإنسان على ذلك، أمّا إذا كان كثيرًا فلا يجوز رميه، بل يجب الاحتفاظ به ليؤكل لاحقًا أو يُتصدّق به على مسكين جائع.

سابعًا: هذه الأفكار التي تراودك لا شك أنها من الوسواس، فيجب عليك ألا تُصغي للشيطان الرجيم ولا تتحاور معه، بل كلما أتتك استعذ بالله منه، وقم من مكانك، واشغل نفسك بأعمال مفيدة.

ثامنًا: نوصيك ألا تنفرد بنفسك، بل عش مع أفراد أسرتك، فإن الانفراد بالنفس مما يحبه الشيطان ليتمكّن من الوسوسة لك.

تاسعًا: اعلم أن كيد الشيطان ضعيف، فاستعن بالله عليه، وكن قويًا في اتخاذ قرارك بعدم الإصغاء لمثل هذه الأفكار التي قد يكون بعضها سخيفًا، وبينك وبين الخروج من هذه الدوامة خطوة واحدة، وهي اتخاذ القرار بعدم الإصغاء والتحاور، ومباشرة الاستعاذة بالله، فإن فعلت ذلك خنس الشيطان.

عاشرًا: هذه صورة من حياة أحد الصحابة الكرام، وهو عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه، كان يشتكي من الوسواس، فجاء إلى النبي ﷺ وقال: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ‌حَالَ ‌بَيْنِي ‌وَبَيْنَ ‌صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ»! فقال رسول الله ﷺ: «ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزِبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفُلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا». قال عثمان بن أبي العاص: «فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي» (رواه مسلم).

فانظر هذا التوجيه النبوي: «فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ»، وتأمل في قال الصحابي:«فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي».

حادي عشر: نوصيك بالمحافظة على أداء الصلاة في أول وقتها، والإكثار من تلاوة القرآن الكريم، والإلحاح بالدعاء بين يدي الله تعالى، مع تحري أوقات الإجابة، وخاصة وأنت ساجد، وفي الثلث الأخير من الليل، وآخر ساعة من يوم الجمعة قبل الغروب.

وسل ربك أن يصرف عنك الشيطان الرجيم ووساوسه، وكن على يقين أنه مع المداومة على الدعاء وعدم الاستعجال سيستجيب الله تعالى لك.

نسأل الله تعالى أن يوفقك للتخلص من هذه الأفكار، وأن يمدّك بالقوة التي تعينك على الخروج من هذه الدوامة، وأن ينصرك على الشيطان ووساوسه، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً