الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجهت زوجي بمشاهدته للإباحيات فأنكر ذلك!!

السؤال

السلام عليكم.

أنا متزوجة منذ 8 سنوات، في أول شهر لزواجي كنت أستخدم هاتف زوجي بموافقته، واكتشفت أنه يشاهد مقاطع وصورًا لعلاقات جنسية، وأن هذه العادة عنده من قبل الزواج والارتباط بي، حسب التواريخ في الفهرس على هاتفه.

تحدثنا معًا، وأنكر، وطلب مني أن أنسى هذا الأمر، وأعتبره غير موجود، ولكن بعدها بسنة -وأنا عندي طفل- اكتشفت أنه يبحث عن صور مغرية لممثلة في مسلسل ما (هكذ كان نص البحث على هاتفه)، وتحدثت معه، وأنكر أيضًا، وقال لي ما هذا الهبل الذي تقولينه.

وطبعًا من وقتها قررت أننا لن نشاهد على التلفاز لا مسلسلات ولا أفلاماً حتى نعالج الموضوع، وحاليًا لنا 8 سنوات، وعندنا طفلان، وللأسف عندما نكون في الأماكن العامة يظل يتلفت يمينًا وشمالاً، حتى على مستوى الجمعات العائلية لأخواته وبنات أخواته، عندما نكون في جلسة عائلية، أشعر بأن نظراته غير بريئة، وينظر إليهن بدقة وإمعان.

منذ فترة احتجت لجواله، واكتشفت أنه يحذف سجل البحث بين كل فترة وأخرى، ولا أعرف كيف أواجهه؟ وماذا أفعل؟ وهل فعلاً من فيه طبع لا يتركه أبدًا؟

علمًا بأنه ملتزم بالصلاة، ويحفظ أجزاءً من القرآن، ومن الناس الذين نحسبهم من أهل الدين، ويصلي في الناس جماعةً.

أفكر أحيانًا بالطلاق؛ لأنني صرت أخاف على أطفالي منه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Doaa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بدايةً -أختي- ننصحك بعدم تحميل نفسك فوق طاقتها، فمن خلال السؤال نرى أنك تحملين نفسك مسؤولية أمور خارجة عن مسؤوليتك الشرعية؛ فالله سبحانه وتعالى لن يسألك عن معاصي زوجك -وخاصةً السرية-، والتجسس على الزوج يفتح عليك أبواباً من التعب النفسي، إضافة إلى أننا مأمورون بعدم التجسس، وما يمارسه زوجك سيسأله الله عنه، وأنت سيسألك الله سبحانه وتعالى هل عففت زوجك وأعنته على حفظ فرجه، وقمت بما عليك من التبعل وحسن التزين.

أختي الكريمة:
لا تتركي للشيطان مدخلًا لزعزعة أسرة مسلمة، مستقرة، فأنت الآن تربين طفلين، بمعنى أنك اللبنة الأولى وحجر الأساس في بناء هذه الأسرة؛ لذلك ننصحك بترك التصرفات التي لا يحق لك شرعًا فعلها، فلا يجوز لك تفتيش هاتف زوجك؛ لأن هذا مدخل من مداخل الشيطان لإشعال الخلاف، وكما تعلمين فالشيطان لا يسعى لشيء سعيه للتفريق بين الزوجين.

لذلك ننصحك بتجنب مواجهة زوجك بالتهم؛ لأن مواجهة الزوج بذكر معاصيه التي يخفيها ستكون عاقبتها وخيمةً؛ فإما أن ينكرها ويتهمك بالتدخل بما لا يخصك، وإما أن تؤدي إلى وقوف الزوج موقف التحدي، ويفعل المعصية علانيةً، ونحن نرى أن زوجك مبتلى ويشعر بخطأ ما يفعله؛ لذلك يقوم بحذف سجلات البحث، ويستر على نفسه، فعليك أن تؤكدي هذا الخوف من الله سبحانه وتعالى في قلبه، بتبادل الإيمانيات بينكما، وممارستها، والتذكير بالنعم واستشعارها، وأهمية شكرها؛ -خاصة وقد ذكرت أن فيه خيراً وتديناً- هذا كله مما يدفع الزوج إلى تجنب هذه المحرمات التي غزت مجتمعات المسلمين، والله المستعان.

إذا: كوني معينة لزوجك لا محاسبة له، خاصة وأنه يتخفى بمعصيته، وأكثري من الدعاء له، وأحسني تزينك ليرى منك كل جميل، وأغنه عن هذه الإباحية بحسن فراشك وتفننك؛ لأنه يؤسفنا أختي الكريمة أن بعض النساء تريد أن تحاكم زوجها ولا تعود لنفسها وتفكر فيما إذا كان عندها خلل يدفع زوجها لمثل هذه الممارسات؛ لذلك نحن نؤكد على هذا المعنى عندك -ليس اتهاماً لك-، خاصة وقد مرت فترة سنوات على زواجكما، وبعض النساء ربما يضعف عندها هذا الجانب مع تقدم السنوات، وهذا مما يدفع الزوج لفضول النظر في زمن تفنن فيه الفاسقات ومن يشيعون الفاحشة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).

أما عن الجمعات العائلية؛ فما ذكرته يخالف الفطرة والمنطق، والمسلم السوي لا ينظر إلى محارمه بشهوة، هذا بشكل عام، ومع كون هذا الأمر قد يقع من البعض، إلا أننا ننصحك بإحسان الظن بزوجك، فربما نظر إلى أقاربه نظراً طبيعياً لكن بسبب ما قد كشفته عليه تكونت عندك انطباعات معينة عظمها الشيطان في رأسك حتى جعلك تشعرين بأن نظرات زوجك غير بريئة؛ لذا ننصحك بإشغال نفسك في ما ينفعك وينفع عيالك، والتركيز على ما يظهره لك زوجك، وترك السرائر لله عز وجل، وأحسني الظن به، ولا تراقبيه، وادعي له ليسعد وتسعدي.

وأما أن المرء لا يغير طبعه فهذا ليس صحيحًا؛ فها هم الصحابة نشؤوا على الكفر وعاداته فتبدلو بعد الأربعين، والخمسين، والستين، وتركوا عاداتهم وطبائعهم، وتحولوا لله تعالى، وعلى نهجهم اليوم كثير، فتغيير عادة أو طبع أبسط بكثير من ذلك، وكله ممكن، والدعاء هو المفتاح، كما في الحديث: "لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ".

وأما تفكيرك بالطلاق: فهو أحد الأدلة على أن وسوسة الشيطان كادت أن تصل إلى أهدافها، لذلك استعيذي من الشيطان، واعتذري لزوجك اعتذارًا مفتوحًا عما سلف؛ فالطلاق ليس من مصلحتك، ولا مصلحة أولادك، وتذكري أن الطلاق لن يغير وضع الأبناء بالنسبة لوالدهم، فيبقى والدهم قبل الطلاق وبعده، لذلك تنتفي مصلحة الأبناء في حال الطلاق، واعلمي أن البحث عن زوج أو إنسان كامل أمر مستحيل، فوجهي تركيزك إلى إيجابيات زوجك.

وتذكري أن لكل إنسان جهداً ووقتاً وعمراً محدوداً، فإن أهدرت جهدك ووقتك بمراقبة هاتف وعيون زوجك، فسينتهي بك العمر بلا جدوى، ولا هدف، ولا سعادة، أما إن ركزت جهدك على إرضاء الله أولاً، ثم إرضاء زوجك، وإسعاده، وإسعاد نفسك معه، وتربية أبنائك، وإسعادهم، وتوجيههم لما ينجيهم في دينهم ودنياهم، فستنالين الفوز في الدارين.

وختامًا: نحن ندرك مدى ألمك وحزنك من تصرفات زوجك التي طبعاً لا نوافقه عليها، ولا نهونها، لكننا تعمدنا التركيز على بذل النصائح لك؛ لأننا رأينا أن الشيطان أوصلك إلى التفكير في انشقاق الأسرة، وسوف نجمل لك هذه النصائح في النقاط التالية:

1- إزالة فكرة الطلاق من رأسك نهائيًا؛ فما بنيت في ثمان سنوات لا ينبغي أن يهدم لهذه الأسباب، فأطفالك بحاجة إلى أبيهم.

2- استري على زوجك، ولا تذكريه بسوء أمام أهلك، أو أحد من الناس.

3- ادعي لزوجك وأبنائك دائمًا، وتصدقي عنكم، وانصحي زوجك بطرق غير مباشرة كأن تسمعي أمامه مقطعًا عن غض البصر.

4- تجنبوا أماكن الفتن من أجل سلامة الأسرة كلها، وانصحي أقاربكم باللباس المحتشم بطرق بسيطة، وعلى المدى الطويل، كإرسال الفتاوى والاستشارات المناسبة.

5- اهتمي بنفسك، ولا تتركي لزوجك مجالاً لإطلاق البصر، وهذه الوصية ليست اتهامًا لك أنك لم تفعلي ذلك، بل هو تأكيد بأن تفعلي ما عليك، واتركي الباقي على الله.

6- أشغلي نفسك بما ينفع؛ فالفراغ يستغله الشيطان للوسوسة، وتعظيم سفاسف الأمور.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً