الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خاطبي ملتزم ويشدد علي كثيراً رغم التزامي، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

خاطبي ملتزم أكثر مني، ويريدني أن أكون ملتزمة مثله، لديّ إحساس دائم بأن هناك ضغطًا واقعًا عليّ من حيث الأحكام، مع أنني ألتزم كثيرًا في أمور عديدة، وأرغب في أن أكون أفضل وأكثر التزامًا، لكنني أتعامل مع نفسي بروية حتى لا أنتكس.

أشعر أنني مضغوطة بشكل كبير، فهو يريد تغيير كل شيء بلمح البصر، لكنني أقول له: رجاءً، النصيحة تأتي بالتدرّج حتى لا ينفر الشخص، حتى وإن كانت نيته إصلاح نفسه، وهو يذكرني كثيرًا بالصحابة ومواقفهم الحازمة تجاه أي شيء محرّم، وأنا لا أعترض على هذا الكلام، لكنني أريد معاملة هينة حتى لا أضيع نفسي في العناد.

خصوصًا أنه كان يريد أن تكون زوجته منتقبة، ولا تعمل، بينما أنا لست منتقبة، لكنني أرتدي الخمار، أو الطرحة الطويلة، وأعمل، وهو يقول: إنه اختارني؛ لأنه يعرف بيتي وأهلي وتربيتي، لكنه أيضًا يكرر كثيرًا الحديث عن كيفية التعامل مع الأجانب والضوابط، وهذا الأمر يضايقني كثيرًا؛ لأنه يشعرني بأنني أفعل شيئًا خاطئًا، رغم أنني أحاول الالتزام قدر المستطاع.

أريد نصيحة في هذا الموضوع: هل يمكن أن يكون له أثر لاحقًا إذا تم الزواج ووجد أطفال؟
أنا لا أريد أن أكون شخصًا سيئًا، ولا أن أتحمّل وزرًا لأنني لا أستطيع التصرف بشكل صحيح، أو أن أكون سببًا في انتكاسته، لكنني أحببت فيه رغبته في فعل الصواب، والتقرب من الله، وتأسيس بيت مسلم قائم على الحق، فماذا أفعل في هذا الأمر؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحُسن العرض للسؤال، وهنيئًا لك بهذا الشاب الحريص على أن تتمسكوا جميعًا بدين الله -تبارك وتعالى- ونسأل الله أن يؤلف القلوب، ويغفر الزلات والذنوب.

واعلمي أن من أهم أهداف الزواج الذي يسعد أهله في الدنيا والآخرة؛ أن يكون هناك تواصي بالحق، وتواصي بالصبر، فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجمعكم على الخير في الدنيا وفي الآخرة.

وبُشرى لكم بهذا البيت الذي تريدون تأسيسه على تقوى من الله ورضوان، فإن البشارة للأزواج الصالحين والآباء والأمهات الصالحين تأتي في قول رب العالمين: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾، فالله -تبارك وتعالى- الذي يجمع الأخيار في الدنيا، يجمعهم أيضًا في الآخرة أزواجًا على سُرر متقابلين، بل يرفع الذي يكون في المنزلة الدنيا ليكون مع الآخر في المنزلة العليا.

فَسيري على طريق الخير، وأبشري بالخير، واستمعي لهذا الزوج الذي ينصح، ونحن نوافقك أن المسألة قد تحتاج لبعض الوقت، ولكن أنتِ أشرتِ إلى نقطة مهمة جدًّا، وهي أنك قابلة لهذا الأمر، وأنك سعيدة بهذا الزوج الذي يريد الصواب ويريدُ الخير، والسعادة تتحقق للإنسان عندما يتمسَّك بأحكام الشرع في تعامله مع الناس وفي سائر أحواله.

ومعلوم أن المرأة المسلمة عندما تتعامل مع الأجانب ومع الرجال الآخرين، وكل من يصلح أن يكون زوجًا لها يُعتبر أجنبيًا، فليس الأجنبي يعني من بلد آخر كما يفهم بعض الناس، بل كل من يمكن أن يتزوج الفتاة يومًا من الأيام يُعتبر أجنبيًا بالنسبة لها، وكون هذا الرجل يُوصي بمثل هذه الأمور؛ هذا دليل على أنه يريد لك الخير، ونسأل الله أن يعينك على فعل الخير وعلى الطاعة لله تبارك وتعالى.

ونؤكد أن جميع أحكام الشرع التي شرعها الله تعالى هي في مقدور الإنسان وطاقته وإمكاناته، وقد قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، وقال سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}، وقال جل وعلا: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.

ومن الخير لكِ أن تُبادري إلى سرعة الالتزام، وأن تستجيبي لأمر الله تعالى وحده، لا لأمر أحدٍ سواه، فقد قال سبحانه: {‌وَما ‌كانَ ‌لِمُؤْمِنٍ ‌وَلا ‌مُؤْمِنَةٍ ‌إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا}.

ونحن نوافقك أن بعض الأمور قد تحتاج لبعض الوقت، لكن صلاح النية، والعمل الصالح، والاجتهاد في الطريق الصحيح، والالتزام بالأمور التي لا يجوز التأخير فيها، أمور ضرورية؛ لأن الإنسان لا يدري متى تنخرم به لحظات العمر، وكل طاعة تقومين بها، وكل تقرّب إلى الله -تبارك وتعالى- سيكون مصدر خير وبركة لكم وأنتم تؤسسون هذا البيت.

فجميل جدًّا أن تبدئي المسيرة، وتحسني التدين، وأن تكون هذه المسيرة مستمرة، وكلنا بحاجة إلى أن يجوّد صلاته، ويزيد في خشوعها، ويجوَّد طاعته لله، ويجوّد ملبسه حتى ينسجم مع أحكام الشرع، ويجوَّد كلَّ أمرٍ من أمور حياته حتى تستقيم على ما أراد الله وعلى ما جاء به رسوله ﷺ، فنسأل الله أن يعينك على الخير.

أيضًا نحن مع فكرة أن تكون الأمور فعلًا متدرجة، لكن في الأمور التي تحتاج لذلك، أمَّا الأمور التي لا تحتمل التأخير، فينبغي للإنسان أن يلتزم بها فورًا؛ لأنها لا تقبل التأجيل أو التأخير، ولأنها أيضًا قد تكون سهلة بالنسبة للإنسان، وليس معنى هذا أن يختار الإنسان من الدِّين السهل، ولكن لا بد أن يسعى، فالله -تبارك وتعالى- يُسامحنا على القصور، ولكن لا يسامحنا على التقصير.

أكرر لك التهنئة بهذا الزوج، وله أيضًا التهنئة لأنه اختارك لمعرفته بالبيت والأهل والتربية؛ وهذه كلها مما يعينكم -إن شاء الله- على إكمال هذا الخير، نسأل الله أن يجمع بينكم في الخير وعلى الخير.

وبالعكس، بعد الزواج تكون الأمور أسهل؛ لأنكم تكونون في المكان الذي يناسبكم، وأكملتم مراسيم السعادة، وهناك ينبغي أن تكون المرأة طوعًا لزوجها، فإن الذي أمرها بأن تُطيع زوجها عندما يأمرها بالطاعة هو الله تبارك وتعالى.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً