الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أقنع خاطبي برغبتي في اختيار أثاث البيت الذي سنسكنه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تمت خطبتي إلى شخص نحسبه من أصحاب الخلق والدين، وأثناء حديثي معه عن تجهيز المنزل والشقة، ذكرت له أنني أود أن أذهب معه أنا ووالدي عند شراء الأثاث؛ حتى أتمكن من المشاركة في الاختيار، فقال لي: إن ذلك ليس من حقي، وأنه بصفته صاحب البيت هو المسؤول أمام الله عن كل ما يدخل فيه، وأضاف أنه بإمكاني أن أشارك بطريقة أفضل من أن أقول إن هذا من حقي.

بصراحة شعرت بالضيق من كلامه؛ لأنني -مثل أي فتاة- أتمنى أن أشارك في اختيار هذه الأشياء، فهل يحق لي ذلك شرعًا أم لا؟ وما هي حقوق الزوجة في الإسلام في مثل هذه الأمور، مثل حقها في إبداء الرأي في عدد الأطفال، أو اختيار الوقت المناسب للإنجاب، وغيرها من الحقوق المشابهة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لكِ تواصلكِ بالموقع، ونشكر لكِ حرصكِ على التفقّه في دينكِ، ومعرفة حدودِ الله تعالى في حقوق الزوجين، وهكذا ينبغي أن يكون حالُ كلِّ مَن يريد الإقدام على الزواج، أن يتعرّف ويتثقّف في الحقوق الزوجية؛ فإن مراعاة هذه الحقوق، والوقوف عند حدود الله تعالى للقيام بها، من أهمِّ أسباب سعادة الزوجين والمحافظة على الأسرة.

ولكننا نلاحظ -ابنتَنا الكريمة- أنكِ تسألين عن حقوق الزوجة فقط، والمفترض والصورة الأمثل، والحال الأحسن أن تكوني حريصةً على معرفة حقوق الزوجين معًا، هذا إذا لم تُبالغي في التعرُّف على حقوق الزوج؛ فإن الشريعة الإسلامية تَبني الحقوق على وجه التبادل؛ فكلُّ صاحب حقٍّ عليه واجباتٌ ينبغي أن يعرفها، فالحقوق تُقابلها واجبات، وحقوق الزوجة على زوجها تُقابلها واجبات على الزوجة، يجب عليها أن تُؤدِّيها لزوجها، وهكذا، وبذلك يستقيم الميزان وتستمر الحياة في سعادة وهناء، وقد ذمَّ الله تعالى المطفّفين: ﴿ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُوا۟ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: 2-3].

فننصحكِ بأن تُولي العناية والاهتمام في التعرّف على حقوق الزوجين معًا، وأن تُولي مزيدَ عنايةٍ واهتمامٍ لحقوق الزوج؛ لأنكِ مطالبةٌ بأدائها.

وأمَّا ما ذكرتِه بخصوص التجهيزات؛ فإن هذا الأثاث إذا كان بمالِ الزوج وحده، فمن حقِّه أن يشتري من الأثاث ما يختاره، وما يدخل تحت قُدرته، لكن بالضابط الذي يضبطه الفقهاء، من أنه يُهيِّئ للزوجة ما جَرى به العُرف، وما جرت به العادة في مجتمعه من أمثاله.

ونصيحتُنا لكِ ألَّا تتناولي هذه القضايا بهذه الطريقة التي تفعلينها الآن، وهي المطالبة بالحق، وأن هذا من حقي، أو ليس من حقي، ونحو ذلك من الكلام، في هذه المرحلة المبكِّرة جدًّا من الخطوات التي ستؤول -إن شاء الله تعالى- إلى الزواج.

نصيحتُنا لكِ أن تُحاولي التودّد إلى هذا الخاطب بطرقٍ ليّنةٍ، رفيقة، وأن تُحاولي أن تُوضحي له أنكِ تتمنّين اختيار هذا الأثاث بما يتناسب مع أُمنيتكِ فيه، ونحو ذلك من الكلام الطيّب، ونظن أن خاطبكِ لا يُمانع هذا النوع من الاختيار، بدليل أنه قال لكِ: بالإمكان أن تُشاركي بطريقة أفضل من أن تقولي: هذا من حقي، فهذه النقطة يمكن تجاوزها، والتغاضي عنها، وهل هي من الحق، أو ليست من الحق، وإنما ينبغي أن تتفاهمي معه كما طَلب بطريقةٍ أخرى، وستصلين إلى ذلك -بإذن الله تعالى-.

واحذري غاية الحذر من أن تتلفّظي بهذه الكلمة، وأنتِ لا تُدرِكين الحكم الشرعي فيها، فتظنين أنها حقٌّ على الزوج، وهو ليس كذلك؛ فإن هذه الكلمات تُؤدّي إلى إثارة الزوج وإغضابه، ومع ذلك إذا كانت غير مطابقة للحكم الشرعي الصحيح فإنها تضرّ ولا تنفع.

حاولي أن يكون منهجكِ في التفاهم مع زوجكِ هو منهج التقارب، والتسديد، والتنازل عن بعض الحقوق أحيانًا لمصالح أكبر منها، كما أرشد إلى ذلك القرآن الكريم عند الخصام بين الزوجين، فكيف في مرحلتكِ أنتِ؟ فقد قال الله تعالى: ﴿وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: 128] فأرشد المرأةَ إلى التصالح مع زوجها، بالتغاضي عن بعض حقوقها، لتستمر الحياة الزوجية، وأن ذلك خيرٌ من الفُرقة والافتراق.

فاتَّخذي هذا منهجًا في حياتكِ، ولا بأس أن تتعرّفي على حقوقكِ، ولكن الأهم من ذلك أن تتعرّفي على الأساليب الحكيمة، والطرق الرفيقة الرقيقة في كيفية الوصول إلى هذه الحقوق، فاستعيني بالله -سبحانه وتعالى-، وتدبَّري هذه الأمور، وتفقَّهي فيها، وستصلين -بإذن الله تعالى- إلى حياةٍ مستقرة مع زوجكِ، يملؤها الودّ، والحبّ، والتفاهم.

نسأل الله أن يوفِّقكِ لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً