الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما مدى إمكانية الزواج من مريضة الصرع؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكركم على هذا الموقع الرائع، وعلى المجهودات التي تقدمونها، وأسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتكم.

سؤالي: تقدمت لفتاة ذات خلق، ولا يعيبها شيء، ولكن لديها مشكلة صحية، وهي أنها تعاني من شحنات كهربائية زائدة في الدماغ -الصرع الكامل المصحوب باختلاجات وفقدان للوعي- أصيبت بالمرض منذ نحو سنة تقريبًا، كانت قد تعرضت لنوبة صرع واحدة فقط في طفولتها، ومنذ ذلك الوقت لم تُصب بأي نوبة، علمًا أن أخاها كان يعاني من الصرع في طفولته، وتعافى باستخدام الأدوية.

حاليًا، وبعد أول نوبة صرع، تم وصف دواء Levetiracetam بجرعة 500 ملغ، حبتين يوميًا، لكن النوبات استمرت بمعدل نوبة واحدة شهريًا، تمت زيادة الجرعة إلى ثلاث حبات يوميًا دون تحسن، ثم أُضيف دواء Lamotrigine بجرعة 50 ملغ، حبتين يوميًا، ولكن بعد أقل من شهر، أصيبت بمتلازمة ستيفن جونسون، وأُدخلت إلى العناية المركزة، وتم إيقاف الدواء واستبداله بدواء Depakine 500، حبة واحدة يوميًا؛ كإجراء إسعافي، مما أدى إلى حدوث نوبتين في يوم واحد.

بعد ذلك، استقر وضعها لمدة ستة أشهر على الجرعات التالية:
- Levetiracetam 500: ثلاث حبات يوميًا.
- Depakine 500: حبة واحدة يوميًا.

ومؤخرًا، نسيت تناول حبة واحدة من Depakine، وبعد يومين تعرضت لنوبة قوية، ظهرت خلالها علامات وكدمات على الوجه.

أنا الآن في حالة من التردد، فبعد معرفتي بتفاصيل حالتها والنوبات التي تعاني منها، والتي تشمل اختلاجات كاملة وفقدانًا للوعي، أشعر بالقلق، خاصة أنني لا أملك خلفية طبية عن هذا المرض، وأخشى أن يؤثر ذلك مستقبلًا على حياتنا الزوجية وعلى الأطفال.

لذا، أطلب مشورتكم ورأيكم الطبي، خصوصًا أننا سنسافر ونستقر في مكان بعيد عن الأهل والأقارب، فهل من الممكن أن تُشفى من المرض؟ وهل تستطيع القيام بالأعمال المنزلية أو البقاء بمفردها في البيت، علمًا أنه لا يوجد أحد قريب منا؟ وهل يمكن أن تعيش حياة طبيعية بدون نوبات؟ وهل تحتاج إلى مراقبة دائمة ومرافقة مستمرة؟ وهل من الممكن أن تحمل وتُنجب؟

كل الشكر والتقدير لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ماجد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب.

طبعًا قرار الزواج بهذه الفتاة من عدمه يصدر منك أنت -أيها الفاضل الكريم- بعد أخذ المشورة الطبية، وأفضل من يعطيك مشورة طبية هو الطبيب الذي يعالج هذه الفتاة، ومن حيث الأخلاق الطبية المفترض هو أن تستأذنها لتعطيك الإذن للتحدث مع طبيبها، في حضورها أو حضور أحد أفراد أسرتها، أو ما بينك وما بين الطبيب، وبعد أن تعطيك هذا الإذن، يشرح لك الطبيب طبيعة المرض ومآلاته، وكيفية علاجه، ويعطيك رأيه في موضوع الزواج، هذا هو الوضع السليم، والبروتوكول الصحيح في مثل هذه الحالات؛ لأن الطبيب الذي يُعالج المريض هو الأدرى بحالته.

من ناحيتي أقول لك: مرض الصرع يستجيب للعلاج بدرجة كبيرة، 80% تقريبًا من الذين يعانون من تشنجات، يمكن أن يتم علاجهم إذا التزموا بتناول العلاج، وكانت جرعاته صحيحة، هذه قاعدة، و80% نسبة كبيرة جدًّا.

إذًا الأمر في يد هذه الفتاة فيما يتعلق بالتحكُّم في نوبات الصرع، وأقصد بالتحكُّم أن لا تأتيها أي نوبات، وهدف أي علاج هو أن لا تأتي نوبات أبدًا، وموضوع نسيان جرعات الأدوية هذا مرفوض تمامًا، نعم؛ لأن دواءها يجب أن يكون لصيقًا لها، هكذا تصف الكتب العلمية العلاقة ما بين المريض ودوائه، استُعملت كلمة "Adherence" أي الالتصاق التام مع الدواء، ولذا حتى حين تخرج يجب أن تحمل دواءها معها، هذه حقيقة ثابتة، وهي محور هذه الحالة: التثبت التام من أنها تأخذ العلاج، وبالجرعة الصحيحة التي بعدها لم تأتها نوبات، وتستمر عليها.

معظم الذين لا تأتيهم نوبات بعد ثلاث سنوات، يمكن أن يضع الطبيب خطة علاجية لسحب الدواء، بعض الأطباء يتحفظون -خاصةً في مثل حالة هذه الفتاة- يفضلون أن تكون المدة خمس سنوات من العلاج المتواصل دون نوبات، وبعد ذلك يمكن أن يُفكِّر المريض في سحب الدواء تدريجيًا.

بالنسبة للزواج بصفة عامة: أنا لا أرى ما يمنع الزواج منها -أخي الكريم- ما دامت لديها السمات والصفات والطِّباع والسلوك المطلوب من الزوجة الراشدة، وبالنسبة للحمل فالحمل ممكن، لكن تكون تحت المتابعة من جانب طبيب الأعصاب وطبيبة النساء والولادة، وموضوع تخيّر الأدوية هذا يُترك للمختصين، هنالك الآن فرق علاجية مختصة للنظر في سلامة الأدوية فيما يتعلق بالحوامل، وهذه الفرق تتكون من الأطباء، طبيب الأعصاب، طبيب النساء والولادة، والصيدلي الإكلينيكي المتخصص.

فيا أخي الكريم: الحمد لله، الحلول موجودة جدًّا، وقولك: هل ممكن أن تُشفى من المرض؟ أنا أقول لك: ما المقصود من الشفاء؟ المقصود من الشفاء ألَّا تأتيها نوبات، هكذا أنا أفهمه في مرض الصرع، وقد يكون أيضًا مفهوم الشفاء أن لا تأتيها نوبات أبدًا دون علاج، هذا قد أتحفظ عليه في حالة هذه الفتاة، فقد أتتها نوبة وهي صغيرة، ثم بعد ذلك تكررت هذه النوبات، فهي إذًا محتاجة لجرعة واقعية.

أرى أنها يمكن أن تستطيع القيام بأعمالها لوحدها، ويمكن أن تبقى في البيت لوحدها، لا بأس في ذلك، ومرضى الصرع يعرفون مقدمات النوبات، هنالك مؤشرات ومشاعر معينة يَحسُّون بها حين تكون النوبة قادمة، ولذا يتحوّطون ويتخذ الواحد منهم سبل السلامة، وكيفية أن تنقضي النوبة، وطبعًا -كما ذكرت لك- يمكن أن تعيش حياة طبيعية، وتكلمنا في موضوع الحمل، أمَّا التأثير الجيني فهو موجود، لكنه بدرجة ضعيفة جدًّا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً