الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس قهرية تدفعني للشك في العقيدة..كيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شابة أعاني منذ ما يقرب عامين من صراع مؤلم في ديني، فلا أؤدي كل الصلوات ولا أقوم إليها إلا بثقل كبير، كأنني مُكرهة عليها، وهجرت قراءة القرآن إلا قليلًا، ولا أؤدي الأذكار كلها، كما صارت تراودني شكوك في الدين، رغم يقيني التام بوجود الله، لما في الكون من دلائل على وجود خالقه، على سبيل المثال: (ماذا لو كان الدين مجرد طقوس مبتدعة ممن سبقونا؟ وماذا لو كان الله لا يطلب أن يُعبد بهذه الطريقة؟ وماذا لو كان القرآن قد حُرّف؟ وكيف يُفترض أن نؤمن بالكثير من التفاسير والأحاديث، وهي تتناقض مع العلم الحديث؟) وغيرها من الأسئلة.

لقد تحولت حياتي إلى جحيم من الشعور بالذنب وتأنيب الضمير والخوف من العقاب، فأنا مرهقة تمامًا، وأبكي على حالي طوال الوقت، وأحس بغياب التوفيق من الله، وعدم تيسير الأمور كما يحدث عادةً عند الالتزام بالدين، كما يتملكني شك دائم بأني قد خرجت عن الملة، وأغضبت الله، وأني لا أستحق مغفرته، وكلما طرأ طارئ من أمور الدنيا أفكر مباشرة أنه عقاب من الله، وكلما دعوته تأتيني شكوك أنه لن يستجيب، لأني على ضلال، وكلما غمرني بلطفه ورحمته أحسست بذنب عظيم، وبأني لا أستحق ذلك.

كل هذا يحدث مع نفسي فقط، فكلما طُلبت مني نصيحة، أو رأيت غيري في لحظة ضعف، ساعدتهم وذكرتهم أن رحمة الله وسعت كل شيء، وذكرتهم بضرورة الصلاة، مما يزيد أفكاري أني من المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون، ويتصنعون الصلاح أمام الناس رياءً، وكلما حاولت التلميح لمشكلتي، بهدف رؤية ردود الفعل قبل طلب المساعدة، قوبلت بالاستنكار، أو بكلام عن الإصابة بالسحر والعين، أو عن ضعف الإيمان، رغم أنه لولا إيماني وخوفي من الله لربما أقدمت على الانتحار، علمًا أني أيضًا أعاني من الوسواس القهري، والقلق، والاكتئاب المزمن، وحاليًا تحت العلاج.

لقد أنهكتني هذه الحالة ودمرت نفسيتي، وكل ما أتمناه هو القرب من الله، فماذا أفعل؟

أرجو منكم المساعدة بحلول عملية، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليلى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نسأل الله تعالى -بأسمائه وصفاته- العظيم رب العرش العظيم، أن يصرف عنك شر هذه الوساوس ويكتب لك عاجل العافية منها، وقد أحسنتِ -ابنتنا الكريمة- حين أخذتِ بالأسباب في دواء هذه الوساوس ومحاولة التخلص منها، فهي واحد من الأمراض التي قد يُصاب بها الإنسان، وقد قال الرسول ﷺ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ».

فاستمري على ما أنتِ عليه من التداوي، وأكثري من دعاء الله -سبحانه وتعالى- أن يشفيك ويذهب عنك هذا المكروه، ونحن على ثقة تامة أن الله -سبحانه وتعالى- سيستجيب دعاءك، وسينجيك من شر هذه الوسوسة.

وهناك جانب روحي نفسي لمداواة هذه الوساوس والتخلص منها؛ لا يقل أهمية عن الدواء الحسِّي المادي، بل الدواء الروحي النفسي أولى وأهم، وهو العلاج الناجع والدواء النافع لقلع هذه الوساوس من النفوس، وقد لخص النبي ﷺ هذا الدواء في ثلاث نقاط:

أولها وأهمها: تحقير هذه الوساوس وعدم الالتفات إليها وعدم الاشتغال بها، بأن ينصرف الإنسان عنها كلما داهمته الأفكار الوسواسية، ويشتغل بغيرها من أمر الدين أو الدنيا، ويدفعه إلى هذا تحقيره لهذه الوساوس، ومعرفته لمصادرها، وأنها من الشيطان، بقصد إدخال الحُزن إلى قلب الإنسان المسلم، وبقصد تثقيل العبادات عليه وصرفه عن طريق الله تعالى.

فإذا علمَ مصدر هذه الوساوس، وعلم أن الله -سبحانه وتعالى- حذّره من اتباع هذه الوساوس، وأنها من خطوات الشيطان، وأن الله تعالى لا يرضى له بأن يسير في هذا الطريق، إذا علم هذا كلّه سَهُلَ عليه أن يحتقر هذه الوساوس، ولا يُبالي بها، ويشتغل بغيرها، وهذا هو أنفع الأدوية لهذه الوساوس، وليس لها علاج أحسن ولا أمثل منه.

فنحن ندعوك إلى الثبات والصبر على هذا الدواء، كلما داهمتك هذه الأفكار الوسواسية، انصرفي عنها واشتغلي بغيرها، لا تبحثي عن إجابات لأسئلتها، فإن هذا يُقوّيها ويثبّتُها في نفسك، ننصحك بألا تتعاملي معها بطريقة النقاش والرد والتجاوب.

والدواء الثاني: هو اللجوء إلى الله تعالى وطلب الحماية منه، كلَّما داهمتك هذه الأفكار قولي: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ».

والدواء الثالث: هو الاستمرار والدوام على ذكر الله تعالى في سائر الأوقات، فهذا من شأنه أن يحصنك ويحميك من شرور الشياطين.

هذه الأدوية الثلاثة لخصها النبي ﷺ بقوله: «فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ»، وهذه الوصية وجّهها لمن أُصيب بشيء من الوسوسة، وفي رواية أخرى: «فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ».

ونحن على ثقة تامة -أيتها البنت الكريمة- أنكِ على إيمانك وإسلامك، فلولا وجود هذا الإيمان في قلبك لَمَا كنتِ تشعرين بكل هذا الضيق وتأنيب الضمير والخوف من هذه الوساوس، فلم تخافي منها وتقلقي بسببها إلَّا لأن الإيمان موجود في القلب، فلا تُبالي إذًا بهذه الوسوسة.

وكلَّما شعرتِ بها ينبغي أن تشعري بالفرح، وتُذكّري نفسك بحديث رسول الله ﷺ حين جاء إليه بعض الصحابة يشكون إليه وساوس في صدورهم مثل هذه الوساوس التي تشتكين أنت منها، فقال لهم الرسول ﷺ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ»، يعني: لم يستطع هذا الشيطان إغواء هذا الإنسان وصَرْفه عن طريق الله تعالى وعن إيمانه وإسلامه، فرجعتْ حيلته الماكرة الضعيفة إلى استعمال الوساوس، فهو كيد شيطاني.

تذكّري أنتِ هذا الوصف النبوي، وهذه البشرى لذلك الصحابي الذي جاء يشكو إليه وساوس في صدره، فأخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن هذا ضعف من الشيطان، وفشل وهزيمة وقعت للشيطان أمام إيمان هذا الإنسان وإصراره على العبادات، وفي حديث آخر يقول ﷺ: «ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ»، يعني: كراهيتك لها وخوفك منها دليل صريح على وجود الإيمان في قلبك.

فاستعيني بالله ولا تعجزي، وخير ما نوصيك به الصحبة الصالحة والرفقة الطيبة؛ فحاولي أن تتعرفي إلى النساء الصالحات والفتيات الطيبات، وتُكثري من مجالستهنَّ والتواصل معهنَّ، فهنَّ خير من يعينك على الاستمرار في الطاعات.

جاهدي نفسك لأداء الصلوات في أوقاتها ولو كنتِ تحسِّين بثقلها، فإن الأجر على قدر المشقة، كما قال الرسول ﷺ لعائشة -رضي الله عنها-: «أَجْرُكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ».

جاهدي نفسك لقراءة القرآن، ولا تستسلمي للصوارف والموانع المُثْقِلة التي يحاول الشيطان أن يُوجدها، جاهدي نفسك، فبقدر هذه المجاهدة ستظفرين بالفوز والفلاح، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، فالله معك يُؤيّدك وينصرك.

نسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء ومكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً