السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أسأل من الله أن ينفع بكم.
أنا شابٌ في الثلاثة والثلاثين من عمري، طبيب، تخرجت منذ ثمان سنوات، وأعمل منذ ثمان سنوات، ملتزم ومعتدل في عملي وسيرتي بين الناس، محبوب لدى الجميع، ولكن لدي مشكلة كبرى في موضوع الزواج، وأصل مشكلتي هو والدي الذي يعارض دائماً عندما أطرح هذا الموضوع للنقاش، والقصة بدأت منذ طفولتي عندما كنت مرتبطاً بأبي في كل شيء أعمله، لدرجة أنه كان أقرب إلي من أمي، ولكن هذه المسافة بدأت تبتعد بيننا بمجرد وصولي إلى سن البلوغ، وبداية اختلاطي بباقي الشباب في الجامعة بالذات، والمجتمع بعد ذلك عندما بدأت العمل والاعتماد جزئياً على نفسي، ولكن أبي لم يتغير، ظل ينظر إلي دائماً على أنني ذلك الطفل المدلل الصغير الذي لا يفقه شيئاً في هذه الدنيا ويعتمد اعتماداً كلياً على أبيه في كل الأمور حتى الشخصية جداً منها.
حاولت مراراً أن أشرح له الاختلاف بيننا في الآراء والشخصية والقدرة على مواجهة الحياة وحيداً، ولكن دون جدوى ومع ذلك كنت دائماً أطلب رضاه في النهاية؛ حتى لا أغضبه، وأتحاشى ذلك حتى لو ضغطت على نفسي ورضيت بتحقيق رغبته على حساب رغبتي طلباً لرضاه، بالرغم من أن الموضوع خاص بي أنا، وأن قناعتي مختلفة عن قناعته هو كلياً.
كان الحد الفاصل في العلاقة بيني وبين والدي أني رغبت في الزواج من فتاة، وعندما طلبت من أمي إبلاغ أبي بهذه الرغبة ليخطب لي هذه الفتاة رفض رفضاً قاطعاً؛ وهذا الرفض بسبب أن والد الفتاة لديه قصة اجتماعية مشينة في الماضي، ورغم علمي بهذه القصة كنت راضيا ًوراغباً جداً في هذه الفتاة، ولكن نزولاً عند رغبة والدي عدلت عن رأيي، وأبلغت الفتاة بالأمر، واعتذرت لها، وأبلغتها بالحقيقة بعد أن كنا قد ارتبطنا ببعضنا لمدة سنة كاملة، وقطعت علاقتي بها نهائياً منذ ذلك الحين.
بعد سنة ارتبطت بفتاة أخرى في العمل، وتعلقت بها لمدة أشهر معدودة، فأحببت أن أعرض الفكرة على أمي وأبي مبكراً، فواجهني أبي بالرفض مرةً ثانية، بالرغم من أن والد الفتاة هذه المرة هو أستاذ فاضل، ولكن إخوان الفتاة عاطلون عن العمل وسمعتهم سيئة، فعدلت عن رأيي مرة ثانية، وقطعت علاقتي بالفتاة نهائياً.
وبعد ذلك تعرفت على فتاة ثالثة في العمل وقد أعجبت بها كثيراً لشدة أدبها وأخلاقها وتدينها ومعاملتها الحسنة للناس جميعاً، والتزامها الواضح، وبدأت أدرس الفتاة من جميع النواحي: أدبها، أخلاقها، طبعها، دينها، وحتى والدها وإخوتها، وكل شيءٍ عنها، واستخلصت بعد ثلاث سنوات أنها الفتاة المناسبة لي من جميع النواحي، واستشرت جميع أصدقائي وزملائي في العمل فوافقوني الرأي، وشجعوني جداً، وبالفعل سألت الفتاة عن رأيها أولاً قبل أن أقوم بأية خطوة، فوافقت ووصلت إلى آخر خطوة في نظري، وهي إبلاغ أهلي ليتقدموا لخطبة هذه الفتاة التي اقتنعت بها قناعة كاملة، وبعد أن تأكدت من كل شيءٍ فوجئت بالرفض من قبل أبي للمرة الثالثة، والأسباب غريبة جداً:
فالسبب الأول أنني طبيب وهي ممرضة، وهو يريد لي طبيبة.
ثانياً: لأنها ممرضة فقد داومت في فترة من حياتها العملية على العمل ليلاً في المستشفى، وهذا يعتبر دليلاً على تسيب الأهل، بالرغم من أن كل من في المستشفى شهد لها (وأنا منهم) بالأخلاق والاحترام سواءً ليلاً أو نهاراً.
ثالثاً: لأنها من قبيلةٍ بعيدة جداً عن قبيلتنا! وهذا كان آخر الأسباب، حيث يقول والكلام لوالدي: إن الفتيات لم ينتهين من قبيلتنا حتى أتوجه أو أخرج إلى قبيلة أخرى، وخاصة أنها قبيلة بعيدة عنا من ناحية النسب.
المهم أن الأسباب كلها شخصية وليست دينية على الإطلاق، بل هي أقرب لأفكار الجاهلية الأولى، فعارضت هذه المرة وأصررت على موقفي وطلبت من أمي أن تتوسط بيني وبين أبي فرفض رفضاً شديداً، فطلبت منها تكرار ذلك، فأصبح يمنعها من فتح الموضوع حتى أمامه، ويقسو عليها في الكلام.
طلبت من عمي ثم من جدتي التي هي والدته التوسط بيننا، فقابلهم جميعاً بالرفض الشديد، عماتي كذلك تجمعن جميعاً وذهبن إليه لإقناعه ولكنه قابلهن بالرفض والطرد من بيته.
أخواتي لم يستطعن الوقوف أمامه حيث هددهن بالطرد من البيت، مع العلم أنهن متزوجات، وبالفعل فقد توقفن عن المحاولة، كلمت أعز أصدقائه عليه وهو رجل مريض فرفض، وأخبرت شيخ عائلتنا فكلمه وقوبل بالرفض كذلك، حاولت الحديث معه شخصياً فرفض حتى الحوار معي أو السلام علي أو الحديث معي وطردني من البيت، مع أنني ما زلت لم أقدم على أي خطوة، وإنما لمجرد أنني أقوم فقط بمحاولة إقناعه التي استنفدت مني الجهد الكبير والوقت الكثير،
واستعنت بجميع أقاربي ولكنهم كانوا دائماً يردون بأن والدك صعب جداً، خاصة فيما يتعلق بأولاده ولا يرغب أن يتدخل أحد بينه وبينهم أو مجرد فتح الموضوع معه يجعل الأمور تتطور إلى حد إنهاء العلاقة بذلك القريب الذي يكلمه في هذا الشأن، مع العلم أنني ناقشتهم جميعاً عن الفتاة وأخلاقها ودينها وعن عائلتها وسمعتها وأخلاقها، وكلهم اعترفوا بأن لا شيء يعاب على الفتاة ولا أهلها إطلاقاً.
وقد قام عمي بالسؤال عن الفتاة وأهلها ورجع إلي مقتنعاً باختياري، وناقشني فاقتنع بقناعتي، ولكنه عندما رأى درجة رفض أبي، وتحاشياً للمشاكل مع أبي الذي غالباً ما تحصل بينهما مشاكل في السابق لأبسط الأسباب، وهو أخوه الوحيد نصحني بتغيير رأيي ليس بسبب خطأ فيه، ولكن تحاشياً للمشاكل مع أبي، "أقصد بين أبي وعمي" ولكني استخرت قبل أن أتخذ هذا القرار وأبلغت الفتاة منذ وقت طويل "حوالي سنة"، وانتشر الأمر بين العاملين معنا في نفس المستشفى، وحتى أسرتها علمت برغبتي في الزواج بابنتهم، ولكنهم لم يسمعوا عن رفض أبي، وما زالوا يستغربون تأخري في التقدم رسمياً لهم، رغم أنهم علموا برغبتي هذه منذ أشهر، كذلك بعض الناس بدأوا يباركون لي ولأهل الفتاة اعتقاداً منهم أننا قد خطبنا، "في مدينتي تنتشر الأخبار بسرعة جدا"، علمًا أن أمي أجنبية "أي من دولة عربية أخرى"، وأبي عندما تزوجها لم يأخذ برأي أحد بل خطبها وتزوجها -بدون والديه الذين لم يكن لديهما رأي في الموضوع" في بلدها أولاً- ثم سافر بها إلى بلده وأعاد الفرح من جديد عند أسرته، وأنا الآن مقيم مع جدتي التي تدعمني في هذا الموضوع وكل أفراد أسرتي ما عدا أبي، وأخيراً فللعلم أنا مقدم على السفر للدراسة بالخارج لمدة خمس سنوات، ونويت الزواج بهذه الفتاة قبل سفري حتى أحصن نفسي، وحتى تعينني على دراستي وغربتي، وعلى الحفاظ على ديني، فهي فتاة ملتزمة دينياً وأخلاقياً.
الآن أيها الشيخ الجليل سؤالي لكم هو: هل في الشرع الإسلامي أنه يحق لي اختيار زوجتي والتقدم لها والزواج بها ولو بدون موافقة والدي أم لا يحق لي ذلك، مع العلم أن أمي موافقة الموافقة التامة، وتدعو لي بالتوفيق في هذا الأمر كل يوم، وتبكي كل يوم لأجلي؛ لأنه لا حول لها ولا قوة مع أبي؟
وثانياً: هل يحق للناس أن يرفضوني إذا لم يكن معي أبي عند خطبة الفتاة؟
وثالثاً: هل يمنع رفض أبي عمي وجدتي وأمي من أن يتقدموا لخطبة هذه الفتاة لي من أهلها أم من الأفضل أن تقدم بنفسي لخطبتها وأتوكل على الله؟
وأخيراً: أطلب منكم بما آتاكم الله من العلم أن ترشدوني على الطريق الصحيح، فقد ضاقت بي السبل طلباً لرضا ربي وراحة ضميري، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.