الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحقوق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق وآكدها، ولا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌحَكُيمٌ {البقرة:228}. قال الجصاص: أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه. انتهى. وقال ابن العربي: هذا نص في أنه مفضل عليها مقدم في حقوق النكاح فوقها. انتهى.
وحقوق الزوج على زوجته كثيرة وسوف نذكر منها هنا ما يقتضي المقام ذكره, فمن هذه الحقوق:
تمكين الزوج من الاستمتاع: مِن حق الزوج على زوجته تمكينه من الاستمتاع، فإذا تزوج امرأة وكانت أهلا للجماع وجب تسليم نفسها إليه بالعقد إذا طلب, وإذا امتنعت الزوجة من إجابة زوجها في الجماع وقعت في المحذور وارتكبت كبيرة من كبائر الإثم، إلا أن تكون معذورة بعذر شرعي كالحيض وصوم الفرض والإحرام وما شابه ذلك. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح. رواه البخاري ومسلم.
ومن حقه عليها خدمته بما لا يشق عليها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة.
ومن حقه عليها أن تتزين له وتريه من نفسها أحسن صورة ويتأكد هذا الأمر إذا طلبه الزوج من زوجته فإن التزين له حينئذ يصبح واجبا عليها، لأن له عليها حق الطاعة في غير معصية، ولأنه إذا طلب منها التزين كانت له حاجة إليه، فربما رأى غيرها من المتبرجات فأراد أن يراها في زينتها ليعف نفسه، فيجب عليها أن تساعده، خاصة في عصرنا الذي كثرت فيه الفتن والشهوات. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : يستحب لكل من الزوجين أن يتزين للآخر ; لقوله تعالى: وعاشروهن بالمعروف، وقوله تعالى : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، فالمعاشرة بالمعروف حق لكل منهما على الآخر, ومن المعروف أن يتزين كل منهما للآخر, فكما يحب الزوج أن تتزين له زوجته , كذلك الحال بالنسبة لها يحب أن يتزين لها . انتهى.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير النساء التي تسره إذا نظر , وتطيعه إذا أمر, ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله. رواه الترمذي وغيره, وصححه الألباني.
فإن أمر الزوج زوجته بشيء من حقوقه فامتنعت فله أن يلتزم النهج القرآني في معالجة هذا النشوز، والذي يبدأ بالوعظ والنصح والتذكير بحقه عليها, وتذكيرها بعذاب الله إن هي خالفت أمره, فإن لم ينفع ذلك فليهجرها في المضجع, قال سبحانه: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا.{النساء:34}. قال القرطبي: الهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها، عن ابن عباس وغيره. وقال مجاهد: جنبوا مضاجعهن ولأن هذا الهجر في فراش النوم وعدم جماعها وعدم التحدث معها إلا قليلاً يُشعر الزوجة بجدية الزوج في تصرفه وهجره لها، وأن هناك ما يزعجه منها حقًا إلى درجة أنه لا يرغب في وطئها وهي في فراش النوم، وأنه قادر على حبس نفسه عن وطئها, وقد يُحملها ذلك كله على ترك النشوز والرجوع عن العصيان. فإن لم ينفع ذلك كان له أن يضربها بشرط أن يكون الضرب غير مبرح، وأن يجتنب الضرب على الوجه والمواضع الحساسة في الجسد. انتهى.
وقد ذكر الحنفية أربعة مواضع يجوز فيها للزوج تأديب زوجته بالضرب ، منها : ترك الزينة إذا أراد الزينة، ومنها: ترك الإجابة إذا دعاها إلى الفراش وهي طاهر، ومنها: ترك الصلاة، ومنها: الخروج من البيت بغير إذنه. جاء في الدر المختار في فقه الحنفية: قال: وصرحوا بأن له ضرب امرأته على ترك الزينة. انتهى. وجاء في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق : وذكر في المحيط وفي شرح المختار أنه يجوز أن يضربها على ترك الزينة. انتهى .
والذي ننصح به أخاك في حاله هذا أن يستعمل الحكمة والرفق مع زوجته، وإذا كان بحاجة إلى زوجة أخرى وقدر على العدل بينهما فليتزوج لكي يعف نفسه في أزمنة الفتن هذه, وعليه أن يدعو ربه سبحانه أن يرزقه زوجة تكون قرة عين له وتعوضه عما فقده مع زوجته الأولى, ولعل ذلك أن يكون سببا في رجوع الزوجة الأولى إلى صوابها. ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9904, 54131.
والله أعلم.