السؤال
والدتي وجدتي وخالتي لهن منزل عرضنه للبيع قبل سنة، بسعر مليون وخمسمائة ألف ريال، وارتفعت الأسعار وهن لا يدرين، وجاءهن مشتر بسعر مليون وأربعمائة ألف ريال، فقالت جدتي: وافقنا، ثم جاء الرجل بعقد بيع، وأتى بشهود، ووقعوا، وقالوا لجدتي: ابصمي، وقالوا لخالتي: ابصمي، ووالدتي لم تكن معهن، وبعد أن أمضوا العقد، سألنا عن البيوت والعقار، فوجدناها كلها مرتفعة، وبيتنا الذي بعناه يساوي 2 مليون ريال، ولم نستلم شيئاً إلى الآن، ونحن مغبونون. فهل لنا أن نفسخ البيعة؟ علماً بأن الرجل المشتري يتصل كل يوم ويهدد، وهل لنا أن نطلب أكثر لنتمم البيعة؟ وإذا اشتكى ماذا نقول للقاضي؟ علماً أن جدتي امرأة كبيرة، لا تعرف شيئاً في أمور البيع والشراء، وعلى هذا بصمت، بل وقال لها ابصمي عن ابنتك التي لم تكن حاضرة. فأفيدونا، جزاكم الله خيراً، والله إننا مغبونون، ولا نعلم عن العقار إلا بعد أن كتبوا العقد.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا البيع صحيح ليس فيه تغرير، لأنكم في البداية طلبتم فيه سعراً معيناً، ثم لما تم البيع بعد ذلك سألتم عن القيمة، وقد كان بإمكانكم السؤال قبل إتمام البيع، ولذلك فلا حق لكم في خيار الغبن، وقد نص ابن قدامة على أن الذي لو توقف لعرف إذا استعجل في الحال فغبن، فلا خيار له... وقد سبقت بعض الفتاوى في الغبن الذي يثبت به الخيار ، وذلك في الأرقام التالية: 63265، 71813، 33215، 7961، 46928.
وبقي النظر في أن والدتك لم تحضر العقد، فإن كانت قد وكلت جدتك أو خالتك في البيع قبل ذلك، فلا إشكال، ولن يتغير الحكم.. وإن لم تكن وكلت عنها أحداً في البيع، فبيع جدتك نصيب والدتك، هو بيع الفضولي، وهو محل خلاف بين أهل العلم، والراجح أن صحته موقوفة على إجازة المالك، لما رواه عروة البارقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه. رواه البخاري. وقد سبق ذكر أقوال أهل العلم في بيع الفضولي في الفتوى: 41571.
فإذا لم تُمض والدتك العقد، فالبيع باطل ومفسوخ في نصيبها، وعندئذ يحصل ما يعرف عند الفقهاء بتفرق، أو تبعض، أو تجزؤ الصفقة، وتفريق الصفقة هو أن لا يتناول حكم العقد جميع المعقود عليه، أو يتناوله ثم ينحسر عنه، فتكون الصفقة الواحدة المجتمعة قد تفرقت، كما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية... وقال ابن قدامة في المغني: تفريق الصفقة -ومعناه أن يبيع ما يجوز بيعه وما لا يجوز صفقة واحدة بثمن واحد- وهو على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يبيع معلوماً ومجهولاً... فهذا البيع باطل بكل حال..
الثاني: أن يكون المبيعان مما ينقسم الثمن عليهما بالأجزاء كعبد مشترك بينه وبين غيره، باعه كله بغير إذن شريكه... ففيه وجهان، أحدهما: يصح في ملكه بقسطه من الثمن ويفسد فيما لا يملكه. والثاني: لا يصح فيهما. انتهى.
ثم رجح ابن قدامة الوجه الأول فقال: والأولى أنه يصح فيما يملكه، وهو قول مالك وأبي حنيفة وهو أحد قولي الشافعي. انتهى.
وعليه؛ فالبيع صحيح في نصيب جدتك وخالتك، وباطل في نصيب والدتك، ويتفرع على ذلك مسألة، وهي هل لكم أو للمشتري الخيار بين إمضاء الصفقة في الجزء الصحيح منها وبين ردها كلها؟ والجواب: أنه لا خيار لكم أنتم، وأما المشتري فبحسب علمه بكون العقار مملوكاً كله لمن باشر العقد معه، أو هناك من يشاركه فيه، قال ابن قدامة: متى حكمنا بالصحة في تفريق الصفقة، وكان المشتري عالماً بالحال، فلا خيار له، لأنه دخل على بصيرة، وإن لم يعلم مثل أن اشترى عبداً يظنه كله للبائع، فبان أنه لا يملك إلا نصفه أو عبدين، فتبين أنه لا يملك إلا أحدهما، فله الخيار بين الفسخ والإمساك، لأن الصفقة تبعضت عليه، وأما البائع فلا خيار له، لأنه رضي بزوال ملكه عما يجوز بيعه بقسطه. انتهى.
وعليه، فليس للمشتري أيضاً الخيار، لأنه عالم بالحال، وهو الذي طلب من جدتك التوقيع عن والدتك.. ثم إذا رفعتم أمركم للقضاء -وهذا هو الذي ينبغي- فأخبروا القاضي بواقع الأمر دون زيادة ولا نقصان.
والله أعلم.