السؤال
نذرت صيام يومين من كل أسبوع مدى الحياة وأنا الآن على سفر. فهل يجوز لي الصيام أم لا ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيجوزُ لك أن تصومي صومك المنذور في السفر، ولا حرج عليكَ في ذلك، فإن الصوم في السفر جائزٌ لمن لم يتضرر به، سواء كان الصوم فرضا أو نفلا، وقد دلت على ذلك أحاديثُ كثيرة، فعن حمزة بن عمرو الأسلمي قال: يا رسول الله إني أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جُناح؟ فقال رسول الله صلى الله علي وسلم: هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جُناح عليه. أخرجه مسلم .
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. متفق عليه.
وعن أنس بن مالك قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم. رواه البخاري.
وأما حديث: ليس من البر الصيام في السفر.متفق عليه. فإنه واردٌ في حق من شق عليه الصوم، حتى تضرر به، ويومئ إلى هذا سبب ورود الحديث.
قال النووي:
مَعْنَاهُ: إِذَا شَقَّ عَلَيْكُمْ وَخِفْتُمْ الضَّرَر، وَسِيَاق الْحَدِيث يَقْتَضِي هَذَا التَّأْوِيل. فالْحَدِيث فِيمَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ.انتهى.
وقال ابن القيم في تهذيب السنن:
وَأَمَّا قَوْله: لَيْسَ مِنْ الْبِرّ الصِّيَام فِي السَّفَر. فَهَذَا خَرَجَ عَلَى شَخْص مُعَيَّنٍ، رَآهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، وَجَهِده الصَّوْم، فَقَالَ هَذَا الْقَوْل، أَيْ: لَيْسَ الْبِرّ أَنْ يُجْهِد الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ حَتَّى يَبْلُغ بِهَا هَذَا الْمَبْلَغ، وَقَدْ فَسَّحَ اللَّه لَهُ فِي الْفِطْر. انتهى.
ثم اعلمي أنك إن ترخصت بالفطر في السفر، فعليكَ قضاء اليوم الذي أفطرته، لأنه صومٌ تعين بالنذر فلزمكَ قضاؤه. قال النووي رحمه الله:
ولو عين في نذره يوما كأول خميس من الشهر، أو خميس هذا الأسبوع تعين على المذهب، وبه قطع الجمهور فلا يصح الصوم قبله، فإن أخره عنه صام قضاء، سواء أخره بعذر أم لا، لكن إن أخره بغير عذر أثم، وإن أخره بعذر سفر أو مرض لم يأثم. انتهى.
ويرى الحنابلةُ أن عليك مع القضاء الكفارة، لإخلالكَ بصوم اليوم المعين، قال ابن قدامة في مسألة من نذر أن يصوم شهرا بعينه ثم افطر في أثنائه:
الحال الثاني: أفطر لعذر، فإنه يبني على ما مضى من صيامه، ويقضي ويكفر. هذا قياس المذهب. وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى، أنه لا كفارة عليه. وهذا مذهب مالك، والشافعي، وأبي عبيد ; لأن المنذور محمول على المشروع، ولو أفطر رمضان لعذر لم يلزمه شيء. انتهى.
ثم اعلمي أن بعض أهل العلم قد ذهبوا إلى عدم جواز الفطر في صوم النذر المعين، لأجل السفر، والمعتمد عند الشافعية هو الجواز. جاء في حاشية الرملي:
أما القضاء الذي هو على الفور فالأصح أنه لا يباح فطره في السفر، وكذلك من نذر صوم شهر فسافر فيه لا يباح له الفطر قاله البغوي في فتاويه ثم توقف فيه، وفي الأنوار أنه لو نذر صوم شهر معين ثم اتفق أي السفر فيه جاز له أن يفطر. انتهى. والمعتمد الجواز في المسألتين. انتهى.
ولو احتاط الإنسان فلم يفطر لكان حسناً.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني