السؤال
أنا طبيبة ومتزوجة من طبيب، وكان يحبني بشدة، وألح في موافقتي عليه برغم عدم اقتناعي به؛ لأنه في مثل سني، ومازال في بداية الطريق نفسيا واجتماعيا، ولكن لم يكن له مشكلة مادية، فأقنعني والدي بأنه ذو خلق ودين، وكل شيء بعد ذلك لا يهم .. ومن اليوم الأول للزواج اكتشفت الحقيقة المرة وصارحني بأنه لا يريد أي اهتمامات وتطلعات تخص عملي ودراستي . حتى أهلي وأصدقائي كان يضجر بهم وكان يضيق بعملي، ويعلن أنه غير راض عنه، وأنه يؤثر سلبا على البيت والأولاد- فقد أنجبت منه طفلين- ومرت 8 سنوات حصلت فيها على الماجستير والدكتوراة، وطلقني مرة من 4 سنوات، وعدنا بعدها لكن بيننا طلاق أخطر ومازال مصرا على أن طموحي وكياني الوظيفي شيء سلبي، وأن راحته كانت ستكون مع ست البيت، وبدأ يعتاد إهانتي أمام أولادي، ويثور لأتفه الأسباب، ويبحث عن أي هفوة في قولي، أو في سلوكي ليثبت لنفسه هذه الأفكار، ويهددني بالطلاق يوميا ويصف مشاركته لي في تنظيم شئون البيت وتحركات أولادنا خارج البيت بأنها تقلل من شأنه وتنال منه، وأن الأصل في الأمور أنني ست بيت، وما تحمله هو لا يتحمله بشر ولا يجيزه شرع ...فهل هذا صحيح؟ لقد صارت حياتي معه جحيما دائما ليلا ونهارا برغم أنني كنت واضحة من البداية، ولم أخف عليه أي شيء من واقع عملي الذي يعرفه جيدا. وهل يسامحه الله حين يقول لم أكن أعرف أن هذه الظروف ستزعجني لهذا الحد إلا عندما جربت؟.. وهل من الأفضل أن أنهي هذه المأساة حتى ينشأ أولادي في جو محترم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما ما يريده منك زوجك من ترك العمل والتفرغ لشئون البيت، فهذا فيه تفصيل؛ فإن كنت قد اشترطت عليه في عقد الزواج أنك ستواصلين عملك ولا تنقطعين عنه فهنا يجب عليه الوفاء بهذا الشرط، ولا يجوز له أن يمنعك منه بشرط أن تلتزمي الضوابط الشرعية في عمل المرأة، والتي بيناها في الفتويين رقم: 19233، 522.
أما إذا لم يكن هناك شرط بذلك، فإن من حقه عليك أن تتفرغي له ولشئون بيته، حتى ولو وصل الأمر إلى ترك عملك بالكلية، وتفرغك الكامل لأمور البيت، ولا يسعك في ذلك إلا الطاعة؛ لأن هذا حقه، فإن خالفتيه فيه فأنت ظالمة له مضيعة لحقوقه.
أما ما يقوم به بعد ذلك من تهديدك دائما بالطلاق، وتعمد إهانتك والإساءة إليك، سواء أمام الأولاد أو بعيدا عنهم فهذا لا يجوز، وهي مخالفة صريحة لأمر الله بمعاشرة الزوجات بالمعروف.
وأما وصفه لما يقوم به من معاونة لك في أمور البيت بأنه يقلل من شأنه، فهذا كلام عار تماما عن الصحة بل عكسه هو الصحيح، وأن قيام الرجل بمعاونة زوجته في البيت مما يعلي قدره ويرفع شأنه؛ لما فيه من التأسي بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فعن الأسود بن يزيد قال قلت لعائشة أي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا دخل بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. رواه البخاري وغيره. وقد وقع مفسرا في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ: ما كان إلا بشرا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه. ولأحمد وابن حبان من رواية عروة عنها: يخيط ثوبه ويخصف نعله. وزاد ابن حبان: ويرفع دلوه.
جاء في تحفة الأحوذي: والحديث فيه الترغيب في التواضع وترك التكبر وخدمة الرجل أهله. انتهى.
وإن كان هذا إنما يجري مجرى مكارم الأخلاق وحسن العشرة، ولكنه غير واجب على الرجل، فإن المرأة هي التي تلزم بأمور الخدمة الباطنة داخل البيت، والرجل إنما يجب عليه الكسب، وقد بينا هذا في الفتويين رقم: 67759،13158.
وإنا لنوصيك في ذلك أن تتصبري وتتغاضي عن أذاه لك، وتحتسبي هذا كله عند ملك الملوك جل في علاه. ثم لا تقصري في نصحه وتذكيره بأمر الله والتأسي بحال النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ومع أزواجه. واحذري التعجل في أمر الطلاق لما له من عواقب وخيمة يجني ثمارها النكدة جميع الأطراف، وخصوصا هؤلاء الصغار الذين لا ذنب لهم فيما يحدث.
والله أعلم.