السؤال
1-أنا شاب عاقد حدثت مشادة بيني وبين زوجتي وأثناء التحدث مع والدتي وأنا غاضب قلت: نحن سنستمر في المشاكل هذه ـ يبقا بناقص من هذه العيشة ـ وبعد الكلام مباشرة ندمت وقلت لا أريد أن أوقع الطلاق، فهل وقع الطلاق بكلمة: بناقص ـ على أنها طلاق كناية؟ مع العلم أنني قبل الكلام كنت أفكر في تركها في بيت أهلها، حيث إنني لا أحبها وعقدت عليها لدينها وأشعر تجاهها بكره.
2- وفي مرة أخرى حدثت مشكلة أيضا وكنت أريد أن أذهب إلى المأذون وأن أطلقها وعندما هدأت قالت لي والدتي غير أسلوبك معها فقلت لها: خلاص: لم يعد ينفع.
وكان تفكيري قبل الكلام أن أتركها لرجل غيري، وكان بعد الانتهاء من الكلمة مباشرة أيضا وبدون تفكير قلت لا أريد إيقاع الطلاق وكانت هذه نيتي بعد الانتهاء من الكلام مباشرة، فهل نيتي هذه إيقاع الطلاق، وبالتالي وقع الطلاق أم لم يقع؟ أرجو الإفادة، لأني متعب جدا وأشعر بخوف شديد.
3- وأرجو من فضيلتكم النصح، هل أستمر في هذا الزواج أم لا؟ مع العلم أن ميعاد البناء بعد شهر رمضان ـ إن شاء الله ـ.
4- وأرجو من فضيلتكم التوضيح لي بالنسبة لطلاق الكناية، حيث إنني عند حدوث مشكلة بيني وبينها أخاف أن أتكلم بشيء يدل على الطلاق لكن أحيانا أتكلم بما يدل على الفراق وتكون نيتي أنني لا أريدها وأتمنى فراقها وذلك لعدم وجود الحب، لكن بمجرد انتهائي من الكلام أقول: أنا أريد أعيش معاها وخلاص ـ غير لازم حب ولا أريد أن أوقع الطلاق ـ.
5- وهل النية في الطلاق تختلف عن إرادة إيقاع الطلاق.
وآسف على الإطالة. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي ظهر لنا من كلامك أيها السائل أنك تعاني شيئا من الوسوسة في أمر الطلاق، وهذا أمر خطير نحذرك من مغبة الاسترسال فيه فإنه داء عضال، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 118262، 3086، 119666.
أما بخصوص ما حدث منك من كلام في هاتين الحادثتين فهذا يعتبر من كنايات الطلاق، والكنايات يرجع فيها لنية صاحبها، فإن كنت تقصد بهذا الكلام إيقاع الطلاق عليها أي إنشاء طلاق بهذا اللفظ، فإن الطلاق يقع ولا يفيدك قولك بعد ذلك إنك لا تريد إيقاعه، أما إذا كنت لا تقصد إيقاع الطلاق فإنه لا يقع سواء كنت كارها لها راغبا في فراقها أو غير ذلك، فكل هذا لا يؤثر، وإنما تؤثر النية وحدها، والذي يظهر من ملابسات الأمر أنك لم تكن قاصدا إنشاء الطلاق وقت التلفظ بهذه الألفاظ. وراجع الكلام عن ضابط الكناية في الفتوى رقم: 78889.
أما بخصوص زوجتك هذه، فإنا ننصحك بإمساكها والصبر عليها والإحسان إليها، فإن الشرع قد ندب إلى إمساك المرأة حتى مع كراهتها، فقال سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً {النساء:19}. قال ابن العربي عند تفسيره لهذه الآية: المعنى إن وجد الرجل في زوجته كراهية وعنها رغبة ومنها نفرة من غير فاحشة ولا نشوز فليصبر على أذاها وقلة إنصافها فربما كان ذلك خيرا له. انتهى.
وقال ابن الجوزي في هذه الآية: وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهية لها، ونبهت على معنيين:
أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح فرب مكروه عاد محمودا ومحمود عاد مذموما، والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوبا ليس فيه مكروه فليصبر على ما يكره لما يحب. انتهى.
وقد أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يَفْرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر.
ومما يذكر هنا أن رجلاً جاء إلى عمر يريد أن يطلق زوجته معللاً ذلك بأنه لا يحبها، فقال له عمر: ويحك، ألم تُبْنَ البيوت إلا على الحب، فأين الرعاية وأين التذمم؟ والتذمم هو الإحسان إلى من يذم بترك الإحسان إليه.
وقال عمر أيضا لامرأة سألها زوجها هل تبغضه؟ فقالت: نعم، فقال لها عمر: فلتكذب إحداكن ولتجمل فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام. أورده في كنز العمال.
ولكن إن لم تطق نفسك صبرا عليها، وكرهت البقاء معها فلا حرج عليك حينئذ في طلاقها، وراجع أحكام الطلاق قبل الدخول في الفتويين: 124812، 124502.
والله أعلم.