الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الزنا كبيرة من أكبر كبائر الذنوب، وفاحشة من أبشع الفواحش، حرمه الله عز وجل ونهى عنه في محكم كتابه، فقال سبحانه: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-70}.
وقال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً{الإسراء:32}.
ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي في الزجر عنه أن عقوبته الدنيوية قد تصل إلى قتل النفس فيرجم الزاني المحصن حتى الموت، لكن الله بفضله وسعة مغفرته ورحمته فتح باب التوبة للعصاة من خلقه ودعاهم إليها، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن من تاب قبل غلق باب التوبة تاب الله عليه، فقال ـ كما في صحيح مسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه.
فأي ذنب ارتكبه العبد ـ ولو كان الشرك بالله الذي هو أعظم الذنوب وأخطرها ـ فإنه إذا تاب منه توبة نصوحا، فإن الله تعالى ـ تفضلا منه وتكرما ـ يتقبل منه توبته ويغفر له ما ارتكب من المعاصي، وقد بينا شروط التوبة الصادقة في الفتوى رقم: 5450.
وأما قولك أنك لم تقدري على منع نفسك من الوقوع في هذه الفاحشة، فهذا ليس بعذر ـ على الإطلاق ـ لأن وصول الإنسان إلى هذه الحالة التي لا يقدر فيها على ضبط نفسه تسبقها مراحل كثيرة يفرط الإنسان فيها في حدود الله وينتهك فيها حرماته ـ من تساهل في الخلوة والنظر والتبرج والأحاديث واللقاءات المحرمة ـ حتى يجد نفسه قد سقط ـ والعياذ بالله ـ في مستنقع هذه الفواحش والمنكرات، جاء في الفروع لابن مفلح: من أعطى أسباب الفتنة من نفسه أولا، لم ينج منه آخرا وإن كان جاهدا. انتهى.
فتوبي إلى الله سبحانه وأكثري من الاستغفار والأعمال الصالحة المكفرة ـ من صلاة وصيام وعمرة وصدقة ـ فإن الله يكفر بها السيئات ويمحو بها الخطيئات، قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}.
وفي صحيح الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. حسنه الألباني.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقة السر تطفئ غضب الرب. ويقول ـ أيضا ـ في شأن العمرة: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما. متفق عليه.
واعلمي أن من تمام التوبة أن تبتعدي عن أسباب الوقوع في هذا الفاحشة وتسدي الذرائع الموصلة إليها ـ من نظرة أو خلوة أو تبرج أو حديث مع الرجال الأجانب ـ فكل هذا حرام، وهو من الطرق الموصلة لهذا الفاحشة القبيحة كما بيناه.
واعلمي أن الصلاة والذكر حصن حصين من الوقوع في حرمات الله، قال سبحانه: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ {العنكبوت:45}.
جاء في تفسير البغوي: وقال عطاء في قوله: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر. قال: ولذكر الله أكبر من أن تبقى معه معصية. انتهى.
وجاء في الحديث: أن يحيى بن زكريا قال لبني إسرائيل: وآمركم بذكر الله كثيرا، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
والله أعلم.