السؤال
أرجو منكم أن تشرحوا صدوركم لمشكلتي. أنا متزوجة منذ ستة عشر عاما، والحمد لله زوجي رجل ملتزم وعلى خلق، ولا يظلمني وقدم لي معروفا كثيرا لا أنساه ولا أنكره، مهما حدث منه من أذى لمشاعري. ولظروف صغر سني عند الزواج وقلة التزامي دار خلاف بيني وبين زوجي وأهله كثيرا في بداية الزواج وطلقني مرتين بسبب أني كنت صغيرة ومستهترة ولا أتحمل المسؤولية، والحمد لله ربنا رزق زوجي الصبر علي والحمد لله ربنا رزقني الطاعة والذرية، وكنت أتحمل أي شيء في سبيل أن يرضى الله عني ويرضى زوجي، واعتنيت بزوجي وأولادي وأعطيتهم كل وقتي، وبعدت عن كل الناس وانشغلت بأسرتي، ويعلم الله أني أحترم زوجي جدا لدرجة أن إخوتي يحترمونه من احترامي له.
والمشكلة أن زوجي حساس جدا، وعندما أتكلم معه بأسلوب غير لائق به مثلا أن أقول له بس انتظر أنت أمام الأولاد في مزاح أو أي شيء يقول لي إني لست محترمة أو ما شابه ذلك. ويكلمني عن الاحترام ويقص علي أشياء بأن يقول لي فلانة كانت تأتي عند أمي وتحترم زوجها وتقول له دكتور فلان، وأنتي تقولين لي باسمي وهو دائما ما يقارن بيني وبين أي واحدة من العائلة، وكان كثير الغضب، وكان يهجرني في الفراش لمدة خمسة عشر يوما أو عشرين أو أكثر؛ لدرجة أني أنسى ما هو الشيء الذي هجرني بسببه، وكنت دائما ما أقول له إذا غضبت قل لي السبب، وكان أكثر شيء يضايقني أنه لما يصالحني أقول له لما غضبت مني يقول لي خلاص. وهكذا كل مرة قضيت نصف عمري معه خصاما، ولا أحد يعرف عنا شيئا، ودعوت الله كثيرا أن يؤلف بين قلوبنا، ويهدينا لبعض.
وسؤالي هو أنا الآن خائفة من الله من الأيام التي كان ينام فيها وهو غضبان مني، وأشعر آني كنت ملعونة ومطرودة من رحمة الله، رغم أني كنت أحاول أن أرضيه وهو يأبى، وهل إذا طلبت منه الطلاق لهذا السبب لأنه لا يعطيني أي مبرر لهذا الخصام أكون آثمة، ولا أستطيع أن يقول لي أي كلمة سخرية مني، وأنا نفسي وقفت منه في الخصام الأخير، ولا أريد التحدث معه، وأشعر آني مخنوقة منه عندما يدخل البيت، ويعلم الله أني أحبه جدا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعليك أن تشكري نعمة الله سبحانه أن من عليك بزوج تصفينه بأنه صاحب خلق ودين وفضل كبير عليك، فهذا من أعظم نعم الله وأكبرها، وحق النعمة أن تشكر لا أن تجحد، ومن شكر هذه النعمة أن تقومي بحق زوجك عليك، وأن تتغاضي عن هفواته وزلاته، فكل بني آدم خطاء. والإنسان مهما كملت صفاته وحسنت أخلاقه واستقامت أموره وأحواله، فلا بد أن تصدر منه بعض الهفوات والأخطاء.
فما دام الغالب على حال زوجك الاستقامة والإحسان فلتتغافلي عن أخطائه ولتقابليها بالعفو والصفح، وما دمت تعلمين منه حساسيته من بعض الأمور والتصرفات فابتعدي عنها، فإن حقه عليك عظيم. فقد روى أحمد عن الحصين بن محصن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم: فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم. قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فأنظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك أو نارك. قال الشيخ شعيب الأرناؤوط إسناده محتمل للتحسين، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
أما عن الليالي التي نام فيها وهو غاضب منك، فعليك أن تتوبي إلى الله منها، وأن تكفري عن ذلك بمزيد من الإحسان والتودد إليه، والله سبحانه غفور رحيم، وما دمت كنت لا تنامين حتى تحاولي استرضاءه والتحلل منه، فنرجو أن يغفر الله لك بذلك.
فإن هذا التصرف من صفات أهل الجنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود العئود التي إذا ظلمت قالت: هذه يدي في يدك لا أذوق غمضا حتى ترضى. حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وعلى الزوج أن يعلم زوجته بما يغضبه منها حتى تتجنبه، أما أن يهجرها دون أن يبين لها ذلك فهذا لا يجوز؛ لأنها تتضرر بهجره دون ثمرة أو فائدة، ولكنا لا ننصحك بطلب الطلاق بسبب ذلك، بل نوصيك بالصبر ومحاولة التواصل مع زوجك بالحوار والمناقشة حتى يتفهم تأذيك من هذا التصرف.
مع التنيبه على أن الهجر الذي يبيح للمرأة طلب الطلاق هو الهجر بلا سبب؛ لأنه من الإضرار بها، على ما بيناه في الفتوى رقم: 37112.
والله أعلم.