السؤال
سؤالي مركب بعض الشئ -أرجو الإجابة عليه كاملا:
أنا متواجد حاليا في الخارج للدراسة لمدة معينة وسأرجع لبلدي قريبا، تعرفت على أسرة من مسجد قريب في شهر رمضان الماضي وكنت قريبا جدا لهم - أزورهم في بيتهم كثيرا وأخرج معهم في أماكن كثيرة، وكان لي زميل في السكن والدراسة وكان يعرف نفس الأسرة ولكن ليس مثلي، وتعرفنا كلنا على مجموعة أخرى من نفس المسجد وتقابلنا كثيرا فى المسجد وأحيانا في الحدائق وكانت هذه الأسرة تقوم بالجانب الأكبر من التجهيزات من أكل وشرب وترفيه.
- فبعد فترة قال لي زميلي إنه كان يسير مع شخصين من المسجد ( في سن آبائنا ) فخاضوا في عرض الأسرة وعني بكلام قبيح جدا وقذف محصنات - وزميلي ظل معهم ولكن صامتا لا يخوض في العرض حتى سألوه في النهاية ما رأيك في هذا فقال مستحيل هذا يحدث، ولم يقل لي زميلي هذا الموضوع مباشرة ولكن بعد فترة، ولم يقل لي الألفاظ التي قيلت، ولكن قال لي بمعنى عام، وأيضا لم يقل لي من هم الأشخاص. فغضبت غضبا شديدا وقلت كيف يحدث هذا من أشخاص تعرفنا عليهم في المسجد، فهذا قذف محصنات وافتراء وكذب وخوض في الأعراض.
فلم أعلم ماذا أفعل؟ هل أبلغ رب الأسرة بهذا الكلام القبيح أم أذهب للبحث عن الأشخاص بنفسي والكلام معهم والقول لهم أن هذا قذف محصنات وافتراء وكذب وخوض في الأعراض ؟
استبعدت أن إبلاغ رب الأسرة بهذا الكلام حيث إني لا أستطيع أن أحدثه فى هذا الأمر، وقلت حسبي الله ونعم الوكيل ولم أرض أن أدعو (من باب دعوة المظلوم ) عليهم أن يحدث هذا في أهل بيتهم.
-وكنا نتقابل كل جمعة ليلا مع الأسرة والمجموعة المتعرف عليها من المسجد ( وكانت مجموعة كبيرة)-فأمضينا أنا والأسرة جمعتين لانذهب للمسجد ولا أتحدث مع أحد من كل المجموعة مع الأسرة - إلى أن ذهبنا بعد ذلك وحدث موقف مع الأسرة واشتكوا لأحد هذه المجموعة فتم سبي أنا وزميلي، فاندفع زميلي وقال ما قاله الشخصان عني وعن الأسرة من خوض في الأعراض بشكل عام وليس بنفس الألفاظ- وتم ذلك أمام الأسرة كلها فحينها غضبت الأسرة مني أني كيف أعلم ولا أبلغهم - وقالت إحداهن أني سأغادر بعد فترة صغيرة وسأتركهم مع هؤلاء الناس - وأني لا يهمني عرض وسمعة هذه الأسرة. فأبلغتهم أنه لا يصح نقل هذا الكلام، وأنا لا أقبل أن يحدث عراك داخل المسجد -ولا أشكك رب الأسرة في كل فرد تعرفنا عليه في المسجد وأني لم أكن متواجدا أثناء الكلام ولم أعلم مباشرة ولا أعلم الأشخاص ولا الألفاظ، وأني لا أقبل هذا الكلام على أي فرد- وأن هذا الكلام تخريف تم بين فردين ولكن لم ينتشر في المسجد. وذكرت بقول النبي صلي الله عليه وسلم: (لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم سليم الصدر) وذكرت إحدى أفراد الأسرة بقول حسبي الله ونعم الوكيل ودعوة المظلوم فقالت لي هذا الكلام للناس قليلة الحيلة.
- فتم ترتيب مقابلة من الأسرة ومني وزميلي مع الشخصين وتم الرد عليهما بشدة.
سؤالي:
1-هل تصرفي صحيح بعدم نقل هذا الكلام أم كان يجب نقله؟ وهل يتماشى مع الحديث النبوي في هذه الحالة ؟ وماذا أقول للأسرة لتصلح العلاقة مرة أخرى؟
2-ماذا أقول للأسرة حيث إنهم لا يرغبون في الذهاب للمسجد مرة أخرى ولا حتى صلاة الجمعة؟ ولا يوجد مساجد كثيرة من حولنا.
3- توجيه كلمة عامة لي
آسف على الإطالة وأرجو إجابتي ببعض من القرآن والسنة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أحسنت حين لم تبلغ هذه الأسرة هذا الكلام الذي سمعته، فإن مثل هذا الكلام يكسر الخواطر ويوغر الصدور وتثور بسببه الضغائن والأحقاد. وهذا الحديث الذي ذكرته قد رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وهو وإن كان قد ضعفه بعض العلماء إلا أن معناه صحيح. فالإسلام حريص على سلامة صدور المسلمين تجاه بعضهم بعضا.
وقد أساء صاحبك هذا حين نقل إليك هذا الكلام، فإن هذا نوع من النميمة.
نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن الغزالي أنه قال: النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه ، ولا اختصاص لها بذلك بل ضابطها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولا أم فعلا، وسواء كان عيبا أم لا، حتى لو رأى شخصا يخفي ماله فأفشى كان نميمة. اهـ.
وقد كان الأولى بهذا الرجل الذي نقل إليك هذا الكلام أن ينصح هذين الرجلين ويذكرهما بأن ذكر الناس حال غيبتهم دائر بين الغيبة والبهتان، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته.
فالذي ننصح به هو السعي في الإصلاح، فإن الشيطان حريص على أن يفرق بين المسلمين، ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: قد يئس الشيطان أن يعبده المسلمون ولكن في التحريش بينهم.
والصلح خير كما أخبر الله تعالى في كتابه. وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة.
وأما ما ذكر من عدم الذهاب يوم الجمعة إلى المسجد فإن كان المقصود به عدم الذهاب إلى صلاة الجمعة فلا يجوز لمن كانت الجمعة واجبة في حقه أن يتخلف عنها لغير عذر شرعي. ولمعرفة أهمية صلاة الجمعة يمكن مراجعة الفتوى رقم: 31502. وإن كان المقصود عدم الذهب للبرامج التي تقام في المساء مثلا فمثل هذه لا ينبغي التخلف عنها فإن تلقي العلوم النافعة من الخير، فقد يحرم المرء نفسه منه. ثم إنه لا ينبغي أن تكون التصرفات السيئة لبعض الأفراد سببا لصد الإنسان عن شيء من دينه.
ولا ندري ما المقصود بعبارة:" هذا الكلام للناس قليلي الحيلة" فإن كان المقصود أن قول حسبي الله ونعم الوكيل ودعوة المظلوم" يحتاج إليها الضعيف وأن الأقوياء ليسوا في حاجة إلى ذلك، فهذا المعنى خطير جدا، فإنه لا أحد في غنى عن عون الله تعالى، ومن ظن أنه مستغن عن الله تعالى فهو ضال وربما كان سببا لهلاكه.
قال ابن القيم في كتابه طريق الهجرتين: والمقصود أن الاستغناء عن الله هلاك العبد وتيسيره لكل عسير ، ورؤيته غنى نفسه سبب طغيانه، وكلاهما مناف للفقر والعبودية. اهـ.
ولهذا كانت كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة عظيمة لأنها تتضمن تبرؤ الإنسان من حوله وقوته والتجاءه إلى حول الله وقوته، ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا عبد الله بن قيس قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة. أو قال: ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله.
والله أعلم.