الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز لك أن تسيء الظن بزوجتك ولا أن تتهمها بالخيانة لمجرد شكوك وأوهام لا تستند إلى حجة أو برهان، فإن عرض المسلم مصون محرم لا يجوز الوقوع فيه إلا ببينة ظاهرة قال الله سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا. {الأحزاب: 58}.
قال ابن كثير:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا }. أي: ينسبون إليهم ما هم بُرَآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه، { فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }. انتهى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال و ليس بخارج. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني. وردغة الخبال هي عصارة أهل النار, ولا شك أن الإثم يعظم ويزداد إذا كانت الإساءة إلى الزوجة التي لها مزيد حقوق على زوجها.
أما هذه الشكوك التي تجول في نفسك وتتردد في صدرك فأنت السبب فيها, وأنت وحدك من أدخلتها على قلبك وأعنت الشيطان على نفسك, وقد يكون هذا عقوبة من الله سبحانه لك على تفريطك في صيانة زوجتك وتضييعك لها وهذا ذنب عظيم ستسأل عنه أمام الله سبحانه، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم.... الحديث رواه البخاري ومسلم.
فالرجل راع في أهل بيته وواجب عليه أن يقوم بما يصلحهم في أمور دينهم ودنياهم وقد قال الله جل وعلا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. {التحريم:6}.
قال العلماء: أدبوهن وعلموهن.
وقال القرطبي رحمه الله: فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. انتهى.
وتركك زوجتك تظهر أمام إخوتك وهي في زينتها حرام بإجماع المسلمين بل هو من الدياثة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه ، والمترجلة ، والديوث. رواه أحمد والنسائي.
وقد جاء تحذيره صلى الله عليه وسلم من أقارب الزوج على وجه الخصوص وذلك في قوله: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه.
قال النووي: المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، لأنهم (الأباء والأبناء) محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت .
قال وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابن العم وابن الأخت ونحوهم مما يحل لها تزويجه لو لم تكن متزوجة، وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي. انتهى.
وقد كان من الواجب عليك أن تقوم بواجبك تجاه زوجتك فتأمرها بالحجاب والعفة والحشمة وترك الاختلاط بالرجال الأجانب، أما أن تتركها تفعل ما تشاء ثم ترجع بعد ذلك تتهمها في عرضها فهذا لا يجوز.
فيا أيها السائل اتق الله ربك وأحسن القيام على أهل بيتك بما يصلح دينهم ودنياهم فهم رعيتك وستسأل عنهم غدا أمام الله سبحانه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم.
أما سؤالك للأقارب والجيران عن خلقها فهذا لا ينبغي لأنك بذلك تتهمها في عرضها وخلقها من طرف خفي وتتسبب في إساءة الظن بها واتهامها عند من ستسألهم, ثم لا يؤمن أن يكون من بينهم من حاقد عليك أو عليها أو حاسد لك أو لها فينتهز فرصة الشك عندك لينال من عرضها عند الناس.
وأنت في الحقيقة لست في حاجة إلى مثل هذه الأسئلة إذا ألزمتها تقوى الله سبحانه والعفة والحجاب، وترك الاختلاط بالرجال والمحافظة على أوامر الله سبحانه، وصنتها عن مواطن التهمة والشر, فحينئذ لن يحدث لك ما يشغل بالك ويشوش ذهنك، فإن رفضت الاستجابة لأوامر الله سبحانه بعد توجيهها ونصحها بالرفق واللين وبذل أسباب الهداية والاستصلاح لها والصبر على ذلك مرارا وتكرارا , فانتقل معها إلى الهجر في المضجع، فإن لم يجد نفعا فاضربها ضربا غير مبرح فإن يئست من التأثير عليها، فحينئذ ننصحك بطلاقها واختيار غيرها من ذوات الخلق والدين.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني مبينا أضرب الطلاق وما يعتريه من الأحكام الشرعية: .... والرابع: مندوب إليه، وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل: الصلاة ونحوها ولا يمكنه إجبارها عليها، أو تكون له امرأة غير عفيفة. انتهى.
أما عن مشكلة نظر الزوجة إلى الرجال الأجانب فقد سبق الحديث عنها مفصلا في الفتوى رقم: 131861.
والله أعلم.