السؤال
سؤالي هو: أنني أعمل محاسبا بشركة كبيرة، والحمد لله أحصل على راتب جيد، ومتزوج وعندي أبناء ولكني مغترب عن أهلي حيث أعمل في بلد آخر، وأسافر إلى أهلي كلما أتاحت لي ظروف العمل ذلك، يمكن كل ستة شهور أو أقل، وأساعد والدي وأخواتي جميعا ولكن كما تعلمون أن الحالة النفسية للمغترب تكون سيئة فهو بعيد عن أهله وأولاده ولا يعيش إلا حياة العمل والمادة فقط، لا يستمتع بشيء غير التعب ومشاكل الغربة من أجل الرزق الذي كفله الله عز وجل, أخي يعمل أيضا معي في نفس البلد، ولي أخ آخر أفكر أن أحاول مع الشركة أن توافق على عمله مكاني محاسبا في الشركة وفى هذه الحالة لا يكون في المنزل ببلدي غير والدي وهو والحمد لله على كل حال عاجز لا يستطيع الحركة وقد أعطيه راتبا شهريا من راتبي, ولي عدد ست أخوات في سن الزواج لن يكون أحد موجود يرعى مصالحهن.
ماذا أفعل هل أترك عملي لأخي وأحاول أن يعمل مكاني في الشركة وأسافر وأقيم مع أهلي وأبحث عن عمل هناك بجوارهم حتى أقوم برعايتهم، فليس المال هو كل شيء والله خير الرازقين أو أبقى في عملي، مع العلم أن الإخوة جميعا غير متزوجين وأنا الأكبر. فهل أضحى بعملي من أجل إخوتي وأتركه لأخي فهو يريد أن يبدأ حياته ويتزوج ويكون له بيت وأسرة أو ماذا أفعل. أفيدونا أفادكم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فللرد على هذا السؤال تجدر الإشارة إلى ما يلي:
1. أن السفر من أجل السعي لطلب الرزق مشروع في الجملة، ولا مانع للمرء منه سواء كان طلبا للتوسعة أم كان لتحصيل ضرورة العيش، لكن ينضبط ذلك بضوابط أهمها أن لا يؤدي إلى الوقوع في محرم كتضييع حق الوالدين أو السفر إلى البلاد التي لا يأمن المرء على نفسه فيها الفتنة.
2. أن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله تعالى، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني. رواه البخاري.
3. أن تقديم الغير في الحظوظ الدنيوية هو الإيثار الذي ورد مدح أصحابه في الكتاب العزيز. قال تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. {الحشر:9}.
فقد قال الإمام القرطبي رحمه الله: الإيثار هو: تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر على المشقة. تفسير القرطبي.
4. أن من تردد في أمر مشروع بين الإقدام عليه والإحجام عنه، فينبغي له الاستخارة والاستعانة بالله تعالى وسؤاله سبحانه أن يوفقه ويهديه إلى ما فيه الخير والرشاد، ثم استشارة من يثق بدينه وورعه ونصحه وعقله وتجربته، فقد قيل: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.
فاستخر الله واستشر أهل نصحك، وأجمع أمرك وامض فيما انشرح له صدرك، فإنه لا حرج عليك في الأخذ بأي شيء مما تتردد فيه، فإذا وجدت عملا في بلدك تجد منه كفايتك وكفاية من تلزمك نفقته فربما كان بقاؤك مع أهلك وأولادك ووالديك خيرا لك، وإن كنت لا تجد ذلك فاصبر على الاغتراب حتى ييسر الله لك الرجوع إلى بلدك.
ونسأل الله أن يوفقك.
والله أعلم.