الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يفرج همك وأن يعافيك وأن يجبر خسارتك وأن يوفقك إلى ما يحبه ويرضاه، ثم إنه لا يمكننا الجزم بأن ما صدر منك هو سبب ما حصل لك، لأن ذلك من الغيب المحجوب عنا، ولكننا ننبهك إلى أن الأولاد نعمة من الله تعالى وتفضل، فعليك أن تقابلها بالشكر، فالله تعالى يعطي لعباده ما يشاء من الأولاد، فمنهم من يهب له الذكور، ومنهم من يهبه الإناث، ومنهم من يعطيه الجنسين معاً، كما قال تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ.{الشورى: 49-50}.
وما شاع عند الناس من كره البنات ذمه الشرع، كما في قوله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ. { النحل: 58-59}.
وقد حض الشرع على رعاية البنات وتكريمهن والإحسان إليهن والصبر، وقد ورد في فضل تربيتهن أحاديث صحيحة، منها ما رواه مسلم عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه. رواه مسلم ، وفي الحديث: من ولدت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده ـ يعني الذكر ـ عليها أدخله الله بها الجنة. رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي ، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها، تسأل فلم تجد عندي شيئاً غير تمرةٍ واحدةٍ، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته فقال: من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار متفق عليه ، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت لكل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار. رواه مسلم.
وعليك بالالتزام بالشرع في معاملاتك وتحري الصدق، والبعد عن المعاصي جيمعها، فإن النصوص الشرعية قاضية بأن البلاء إنما يكون بسبب ذنوب العباد، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ.{الشورى: 30 }.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم، وذكر الكتاني أن العراقي حسنه.
وأما بخصوص النذر: فإن على المسلم الوفاء به على النحو الذي نذره عليه إن كان طاعة، لقول الله تعالى: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ.{الحج: 29}.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه. الحديث رواه البخاري. إلا إذا عجز عنه، فإن عليه كفارة يمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفارة النذر كفارة اليمين. رواه مسلم.
واختلف العلماء في وجوب المبادرة بالوفاء بالنذر فذهب الحنابلة إلى وجوب ذلك، قال البهوتي في كشاف القناع: وإن قال: إن ملكت مال فلان فعلي الصدقة به، فملكه، فكماله، وتجب كفارة النذر على الفور، وتقدم آخر كتاب الإيمان وكذلك نفس النذر يجب إخراجه فوراً، وتقدم في غير موضع. انتهى.
وذهب أكثر أهل العلم إلى عدم وجوب ذلك، قال النووي في روضة الطالبين فقه شافعي: إذا لزمه صوم يوم النذر استحب المبادرة به، ولا تجب المبادرة، بل يخرج عن نذره بأي يوم كان ما يقبل الصوم غير رمضان. انتهى.
قال الكاساني في بدائع الصنائع فقه حنفي: وهو الصحيح، لأن الأمر بالفعل مطلق عن الوقت، فلا يجوز تقييده إلا بدليل، فكذلك النذر، لأن النصوص المقتضية لوجوب الوفاء بالنذر مطلقة عن الوقت، فلا يجوز تقييدها إلا بدليل، وكذا سبب الوجوب وهو النذر وجد مطلقاً عن الوقت، والحكم يثبت على وفق السبب، فيجب عليه أن يصوم شهراً من عمره غير معين، وخيار التعيين إليه إلى أن يغلب على ظنه الفوت لو لم يصم فيضيق الوقت حينئذ. انتهى.
فالحاصل أن عليك أن تفي بنذرك إذا كنت تستطيع، فإن عجزت عنه، أو شق عليك مشقة لا تستطيع تحملها فعليك أن تخرج كفارة يمين، وهي المذكورة في قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.{المائدة: 89}.
والله أعلم.