السؤال
كنت قد نذرت إن وفقني الله وحصلت على وظيفة كنت أجتاز مباراة للقبول فيها أن أخصص قسطاً من راتب تلك الوظيفة مع تحديد قدره بالدراهم لأعين أرملة أماً ليتيم، وقد وفقني ربي الكريم ومنَّ علي بوظيفتي الحالية ـ أحمده تعالى وأشكره ـ وفي تلك الأيام لم أكن أفكر في الزواج لكوني كنت عازماً على التفرغ لمساعدة والدي وإخوتي، لذا لم يكن إخراج ذلك القسط أمراً كبيراً، لكن الآن ازدادت حاجتي لأعف نفسي، وقد أخذت إذن والدتي في الزواج مع البقاء وفياً لوالدي وتخصيص جزء من راتبي لهم، ومشكلتي أنه لا يمكنني أن أفي للمرأة التي قد أتزوج بما سيبقى من راتبي، لذا أسألكم يا شيخ إن كان زواجي بأرملةٍ أُمٍ سيفي بنذري خصوصاً أنني ما قصدت بتحديد القسط إلا الإلزام على البدل واجتناب التخاذل، وليكن في علمكم أنني أصلاً لا أجد مشكلة في زواج الثيب ذات الدين وحمل أولادها أكثر من أبنائي إن شاء الله، والله على ما أقول شهيد ومنه أطلب التوفيق والهدى والسداد، فأنا أدرك تمام الإدراك أجر السعي على الأرملة وكفالة اليتيم
وأرجو إن كان يجوز لي زواجها للوفاء بنذري أن يجزيني الله لاحتساب أجر السعي، لأن نذر الطاعة حسب علمي واجب وكذلك الإنفاق على الزوجة، لكنني أطمع مع ذلك إن زدت في نيتي السعي لله أن يرزقني أجر المجاهد أو الصائم القائم وأجر كفالة اليتيم فإنه عند ظن عبده به سبحانه، وكذلك إن زدت إطعام عشرة مساكين كفارة يمين لسد أي نقص يسببه استمتاعي بالأرملة كزوجتي الذي قد يبدو حظ نفس، وكذلك وجوب النفقة عليها من حيث إنها زوجة قبل التطرق لأمر النذر، فإني أخشى أن لا يجوز لي الجمع بين أكثر من نية في المسألة، هذا ويبدو لي أنه في حال ترقيت في الوظيفة وتوسع رزقي فإنه يجب علي أن أبحث عن أرملة أخرى لأعطيها ذلك القسط، هذا ما هداني الله إليه من فهم فأفتوني في المسألة جزاكم الله خيراً، وهل إذا تزوجت أرملة فإن صفة الأرملة ستنتفي عنها وسيلزمني أن أبحث عن أخرى؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعتبر في النذر هو التلفظ به لا بالنية فقط ولا بحديث النفس. وعليه، فإذا لم يكن السائل قد تلفظ بالنذر فلا شيء عليه لعدم انعقاد نذره أصلا، وإن تلفظ بالنذر انعقد ولزمه الوفاء به عند حصول الأمر المعلق عليه على الكيفية التي تم بها، وما قصده حينئذ لا يجوز له التراجع عنه ما دام يستطيع الوفاء به، وظاهر السؤال أنه قصد التصدق بالجزء الذي قدره من راتبه على أرملة أم ليتيم، وعليه، فإن الزواج من أرملة لا يعتبر وفاء للنذر، إذا لم يقصد مجرد إعانة لأرملة، وليس دفع قسط دائم لها، وذلك لأن صيغة النذر كانت واضحة في المراد منه، وهو دفع قسط من الراتب لأرملة وليس الزواج، ولا يجزئه الإنفاق عليها عن دفع القسط المنذور، لأن الإنفاق واجب أصلا في مقابل الاستمتاع، ولأن الصدقة تقتضي التمليك مثل الزكاة، قال ابن قدامة في المغني: وإذا نذر الصدقة بقدر المال فأبرأ غريمه من قدره يقصد به وفاء النذر لم يجزئه وإن كان الغريم من أهل الصدقة، قال أحمد: لا يجزئه حتى يقبضه وذلك لأن الصدقة تقتضي التمليك، وهذا إسقاط فلم يجزئه كما في الزكاة. انتهى.
هذا بالإضافة إلى أنه بتزوجه منها تسقط عنها تلك الصفة فلم تكن أرملة، لأن الأرملة هي من لا زوج لها، ففي مختار الصحاح: والأرْمَلَةُ: المرأة التي لا زوج لها. انتهى.
لذلك نقول يجب الوفاء بالنذر حسب ما نذر، وقد مدح الله المؤمنين بأنهم يوفون بنذورهم، فقال تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا {الإنسان: 7 }. وقال تعالى: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ {الحج: 29}.
وقال صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه. رواه البخاري وأصحاب السنن.
وقد ذكر ابن قدامة من أنواع الطاعة والتبرر: التزام طاعة في مقابلة نعمة استجلبها، أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله فلله علي صوم شهر ـ فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع كالصوم والصلاة والصدقة والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم. انتهى.
مع التنبيه على أن هذا النوع من النذر، وهو النذر المعلق مكروه؛ ولذلك ما كان ينبغي الإقدام عليه، إذ قد يندم الناذر ولا يستطيع التخلص مما ألزم به نفسه، فإن عجز عن الوفاء به، فقد سبق بيان حكم العجز عن الوفاء بالنذر، ومتى ينتقل العاجز إلى الكفارة في عدة فتاوى، منها الفتويان رقم: 139630، ورقم: 124771.
وفي تحفة الأحوذي: قال الشوكاني: وأما النذور المسماة إن كانت طاعة فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين، وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها سواء كانت متعلقة بالبدن أوبالمال. انتهى
والله أعلم.