الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فاللحن في الفاتحة: إن كان يغير المعنى: لم تصح الصلاة على تفصيل ذكرناه في الفتوى رقم: 186469 عن حدّ اللحن في الفاتحة الذي يبطل الصلاة, فإذا كان الإمام المشار إليه يلحن في الفاتحة لحنًا لا تصح معه الصلاة فإنه لا يخلو حاله من أمرين:
الأول: أن يكون عاجزًا عن تصحيح الخطأ بسبب عجمته, أو عدم وجود من يعلمه, وفي هذه الحال فإن صلاته في نفسه صحيحة, وقد نص الفقهاء على صِحَّةِ صَلَاةِ اللَّاحِنِ فِي الْفَاتِحَةِ عَجْزًا عَنْ تَعَلُّمِ الصَّوَابِ لِعَدَمِ مُعَلِّمٍ, أَوْ ضِيقِ وَقْتٍ, مَعَ قَبُولِ التَّعَلُّمِ لَهُ, كما في الفواكه الدواني للنفراوي المالكي.
ولكن اختلف الفقهاء في صحة صلاة من اقتدى به ممن يحسن الفاتحة, فذهب بعضهم إلى عدم صحتها, وذهب آخرون إلى صحتها مع الكراهة, جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ, وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الاِقْتِدَاءُ بِأَلْكَنَ يَتْرُكُ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ أَوْ يُبْدِلُهُ بِغَيْرِهِ، وَبِهَذَا يَقُول الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ .... وَيَرَى هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الأْلْكَنَ إِنْ تَمَكَّنَ مِنْ إِصْلاَحِ لِسَانِهِ وَتَرَكَ الإْصْلاَحَ وَالتَّصْحِيحَ فَصَلاَتُهُ فِي نَفْسِهِ بَاطِلَةٌ، فَلاَ يَجُوزُ الاِقْتِدَاءُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الإْصْلاَحِ وَالتَّصْحِيحِ: بِأَنْ كَانَ لِسَانُهُ لاَ يُطَاوِعُهُ، أَوْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ قَبْل ذَلِكَ فَصَلاَتُهُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ، فَإِنِ اقْتَدَى بِهِ مَنْ هُوَ فِي مِثْل حَالِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ لأِنَّهُ مِثْلُهُ فَصَلاَتُهُ صَحِيحَةٌ .... وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ صِحَّةَ الاِقْتِدَاءِ بِالأْلْكَنِ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ إِلاَّ أَنَّهُ قَيَّدَ صِحَّةَ الاِقْتِدَاءِ بِهِ بِأَنْ لَمْ يُطَاوِعْهُ لِسَانُهُ، أَوْ طَاوَعَهُ وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ التَّعَلُّمُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَصِحُّ الاِقْتِدَاءُ بِهِ. اهــ
الثاني: أن يكون قادرًا على تصحيح الخطأ, ولكنه لم يفعل, فهذا لا تصح صلاته كما قدمنا, وقال النووي - رحمه الله تعالى -: من لا يحسن الفاتحة بكمالها - سواء كان لا يحفظها, أو يحفظها كلها إلا حرفًا, أو يخفف مشددًا لرخاوة في لسانه, أو غير ذلك, وسواء كان ذلك لخرس أو غيره - فهذا الأمي والأرت والألثغ إن كان تمكَّن من التعلم فصلاته في نفسه باطلة، فلا يجوز الاقتداء به بلا خلاف، وإن لم يتمكن بأن كان لسانه لا يطاوعه, أو كان الوقت ضيقًا ولم يتمكن قبل ذلك فصلاته في نفسه صحيحة، فإن اقتدى به من هو في مثل حاله فصلاته صحيحة بالاتفاق. اهــ
إذا تبين لك هذا - أخي السائل - فاعلم أنه ينبغي لك أولًا أن تعلم ذلك الإمام القراءة الصحيحة, والدين النصيحة كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم, فإن تعذر تعليمه فاسع لاستبداله بغيره ممن تصح قراءته, فإن تعذر ذلك فإن صحة صلاتك خلفه محل خلاف كما رأيت, والأحوط أن تبحث عن مسجد آخر تصلي فيه الجمعة, فإن لم تجد مسجدًا آخر تقام فيه الجمعة: فعلى قول الجمهور القائلين بعدم صحة الصلاة خلفه فإنك تصلي الظهر, ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
وأما إن كان لحنه لا يبطل الصلاة فالصلاة خلفه صحيحة, وليس لحنه في الخطبة عذرًا يبيح التخلف عنها, كما بيناه في الفتوى رقم: 71899 وقد جاء في فتاوى عليش المالكي - رحمه الله تعالى -: اللَّحْنُ فِي الْخُطْبَةِ لَيْسَ مِنْ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ, وَلَا مُوجِبًا لِعَزْلِ الْخَطِيبِ ... اهــ .
وانظر الفتوى رقم: 127805 عن أركان خطبة الجمعة, والفتوى رقم: 160335 عن مدى وجوب الجمعة على المقيم غير المستوطن, والفتوى رقم: 193377 عن مذاهب العلماء في إقامة الجمعة للمقيمين غير المستوطنين.
والله تعالى أعلم.