السؤال
أنا مسافر للعمل بعيدا عن زوجتي وأولادي من أجل طلب الرزق لعدم وجود وظيفة في بلدي، وأحصل على راتب مجزئ، فهل إن توفر لي مصدر دخل متوسط من مشروع أنجزته وجبت علي العودة إلى زوجتي وأولادي؟ علما بأنه سيكون مكوثي معهم بدون عمل اعتمادا على مصدر الدخل؟ أم يكون ذلك من جحود الرزق والاعتراض على السعي في طلب الرزق؟.
أفيدوني، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه أولا إلى أن رسالة رب الأسرة في الإسلام لا تقتصر على الجانب المادي، بل الحقوق المعنوية من معاشرة الزوجة بالمعروف وتأديب الأبناء وحسن تعليمهم وغيرها من الحقوق الأدبية قد لا تقل أهمية عن الحقوق المادية في الجملة، والموازنة بين هذه الحقوق أساس نجاح الأسرة المسلمة، فإذا استطاع الأب أداء ما عليه من الحقوق مع استمراره في عمله، بأن يزور أسرته زمنا ويغيب عنها زمنا.. فإنه لا يقال بوجوب عودته وترك العمل، لأن الاستزادة من المال لا تحرم إذا لم يترتب عليها تقصير في الحقوق أو تفريط في الواجبات، وإذا ترتب على استمراره في عمله في دولة أخرى ضرر على الأسرة أو تفريط في حقوقها أو إخلال بالمدة القصوى التي ضربها الفقهاء لغيبته ـ وهي بحسب العرف كما رآها البعض، أو ستة أشهر كما عند آخرين ـ بغير إذن زوجته، فإنه تجب عليه العودة إليهم وأداء رسالته على وجهها، وليس في ذلك جحود لمصدر الرزق الذي فتحه الله عليك، فإن الغرض الأساس للسعي في طلب الرزق ليس هو الغنى، بل الكفاف وقد تحقق ـ والحمد لله ـ ويدل لهذا ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو رفعه قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ. وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة مرفوعا: اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا. وفي وراية: كفافا.
قال القرطبي: معنى الحديث أنه طلب الكفاف، فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعا. كذا في فتح الباري.
وينظر في تقرير حقوق الأبناء المعنوية على الآباء الفتاوى التالية أرقامها: 211768، 23307، 190121.
وينظر في بيان حقوق المرأة المعنوية على زوجها الفتويان رقم: 3698، ورقم: 27662.
وينظر في مسألة مدة غيبة الرجل عن أهله ومراعاة عدم المضارة في ذلك الفتويان رقم: 53510، ورقم: 125105 .
والله أعلم.