السؤال
فيما أعلم يجوز الكذب على الزوجة، بأن يقول لها الزوج مثلاً إنها أجمل امرأة في الدنيا، وهي في الحقيقة ليست جميلة، ماذا بالنسبة لمجاملة الأم بكلام في غاية اللطف، ولكنه مبالغ فيه، أقصد في وصف محبتها، والشوق إليها وما شابه ذلك. هل قول ذلك جائز؟
والمثال: أن يقول الابن لأمه أنها نور حياته، وأن حياته بعدها ظلام، وأنه منذ فارقها لم يذق طعم الحياة، وأنها الشيء الوحيد الثمين في حياته، وأنه لا يستطيع التوقف عن التفكير فيها للحظة، وأنها تأتيه في اليقظة والمنام؟
هل هذا مباح أم إنه كذب غير جائز، أليس حق الأم أكبر من حق الزوجة في الشرع، علماً أن والدتي – كسائر النساء – تحب هذا الكلام وتفرح به؟
جزاكم الله تعالى خيراً.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا بالفتوى رقم: 181809، وتوابعها جواز المجاملة بالتعريض؛ فإذا أمكنك التعريض؛ فهو أولى، وإلا فمثل هذا الكذب، بهذه النية الحسنة -أي إسعادها - يجوز إن شاء الله، لا سيما أنه ليس فيه مضرة لأحد، فَقَدِ ذهب ابن عُيَيْنَةَ إلى إِبَاحَةِ الْكَذِبِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى أَحَدٍ إِذَا قَصَدَ بِهِ الْخَيْرَ وَنَوَاهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا. الْأَنْبِيَاءِ 63 . وَبِفِعْلِ يُوسُفَ إِذْ جَعَلَ الصَّاعَ فِي رَحْلِ أخيه، ثم نادى مناديه: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ {يوسف:70}.انتهى.
فعلى ما ذهب إليه ابن عيينة يجوز أن تكذب عليها، لإسعادها -ولو لم تحزن بعدم ذلك-؛ لأنه ليس فيه مضرة.
وقد أورد ابن عبد البر بحثاً مفصلاً في التمهيد وفيه: عن نُعَيْم بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْتَذِرُ إِلَيَّ مِنَ الشَّيْءِ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ فَعَلَهُ، وَيُحَرِّفُ فِيهِ الْقَوْلَ لِيُرْضِيَهُ أَعَلَيْهِ فِيهِ حَرَجٌ؟ قَالَ: لَا، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ: لَيْسَ بِكَاذِبٍ مَنْ قَالَ خَيْرًا، أَوْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ. انتهى.
وقد اختار مذهب ابن عيينة، ابنُ الجوزي، وابن القيم؛ وراجع الفتوى رقم: 75174.
والله أعلم.