السؤال
1- هل مذهب الشافعية والحنابلة استحباب تطليق الزوج لزوجته في حالة الشك؟ مثل أن يفتيه البعض بالوقوع، وآخرون بعدم الوقوع.
2- وهل يقصدون أنه ينشئ طلاقا جديدا، أم يمضي الطلقة التي شك فيها، ويعتمدها؟
3- وما وضع الأطفال في هذه الحالة الذين ولدوا في هذه الفترة وهو:
أ - كان يظن أنه يعيش في الحلال؛ لأنه فرط في السؤال.
ب- أو أخذ بفتوى من أفتاه بأن الطلاق لا يقع، وهو غير مطمئن للفتوى، وأكمل الحياة على ذلك.
ج- أو ظن أنه يعيش مع زوجته بالحلال، وأن الحياة ليست محرمة؟
هل ينسبون إلى أبيهم أم لا؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الحنابلة والشافعية نصوا على أن من شك أطلق أم لا، لا يقع طلاقه؛ لأن النكاح ثابت بيقين، فلا يزول بأمر مشكوك فيه، لكنهم قالوا إن الأورع له أن يعتد بالطلاق الذي شك فيه، ولا يقصدون بالورع إنشاء طلاق جديد، بل إمضاء الطلاق الذي يشك فيه، فيعمل على أنه قد وقع فعلا.
جاء في المنهاج للنووي: فصل: شك في طلاق، فلا, أو في عدد فالأقل, ولا يخفى الورع. اهـ. وجاء في المغني لابن قدامة: من شك في طلاقه لم يلزمه حكمه، نص عليه أحمد، وهو مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي; لأن النكاح ثابت بيقين، فلا يزول بشك. والأصل في هذا حديث عبد الله بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة. فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا. متفق عليه. فأمره بالبناء على اليقين، واطراح الشك؛ ولأنه شك طرأ على يقين، فوجب اطراحه، كما لو شك المتطهر في الحدث، أو المحدث في الطهارة, والورع التزام الطلاق. فإن كان المشكوك فيه طلاقا رجعيا، راجع امرأته إن كانت مدخولا بها، أو جدد نكاحها إن كانت غير مدخول بها، أو قد انقضت عدتها. وإن شك في طلاق ثلاث، طلقها واحدة وتركها; لأنه إذا لم يطلقها، فيقين نكاحه باق، فلا تحل لغيره, وحكي عن شريك أنه إذا شك في طلاقه، طلقها واحدة، ثم راجعها; لتكون الرجعة عن طلقة، فتكون صحيحة في الحكم، وليس بشيء; لأن التلفظ بالرجعة ممكن مع الشك في الطلاق، ولا يفتقر إلى ما تفتقر إليه العبادات من النية؛ ولأنه لو شك في طلقتين، فطلق واحدة، لصار شاكا في تحريمها عليه فلا تفيده الرجعة. اهـ.
فتبين من هذا أن ما يذهبون إليه - كما أسلفنا - هو عدم وقوع الطلاق مع الشك، وأنهم يأمرون الشاك بالاحتياط والورع، وهذا أمر مندوب إليه في الشرع عموما. قال القرافي في الفروق: الورع من أفعال الجوارح, وهو ترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس. وأصله قوله عليه السلام: الحلال بين، والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه، وعرضه سلم. وهو مندوب إليه. اهـ.
ولبعضهم: وذو احتياط في أمور الدينِ من فر من شك إلى يقينِ
وبالنسبة للأولاد: فاعلم أنهم لاحقون إجماعا، ولا حاجة إلى التقسيمات التي ذكرت، ولا يؤثر عليهم الشك في الطلاق، حتى عند من يقول بوقوع طلاق الشَّاكِّ كالمالكية، بل حتى لو كان النكاح نفسه مختلفا فيه، أو فاسدا فالأولاد لاحقون ما دامت هناك شبهة تدرأ الحد، إذ القاعدة المعروفة عند الفقهاء أن كل نكاح يدرأ فيه الحد، فالولد لاحق بالواطئ.
ثم إنه - يبدو من خلال السؤال - أنك مصاب بالوسواس، فننصحك بالإعراض عنه، وعدم الاسترسال فيه؛ وراجع في ذلك الفتوى رقم: 51601.
وينبغي أن تعلم أن ما ذكر في شأن استحباب الاحتياط، والورع خاص بغير الموسوس، أما الموسوس فلا يلتفت إلى تلك الشكوك، وليضرب عنها صفحا. وراجع الفتويين: 72271 - 110825.
والله أعلم.