السؤال
أنا امرأة متزوجة، حدث خلاف بيني وبين زوجي بخصوص توفير المسكن الشرعي، وتركت له البيت الذي يسكنه مع أبنائه من زوجة أخرى متوفاة- رحمها الله -.
ومنذ ستة أشهر لم يسأل عني أبدا، وتدخل خالي من طرفي، وأحد أقاربه، ولم يستطع أحد إقناعه بضرورة فصل سكني عن أبنائه، وأصغرهم عمره 13 سنة.
وقررت اللجوء للقضاء، ورفعت قضية نفقة كخطوة أولى. ومنذ أن وصله إبلاغ المحكمة، أصبح يبعث أناسا للتفاهم معنا، ويصر على أن ظروفه لا تسمح له بتوفير مسكن منفصل.
أنا حاليا موظفة، ومستعدة للتعاون معه في مصاريف السكن المنفصل، ولكن أهلي يرفضون ذلك، ولا أستطيع الخروج عن طاعتهم، أو مواجهتهم بهذا الأمر، خاصة أنهم كانوا ضد رجوعي لهم في البداية، وأخذوا وقتا طويلا للاقتناع بأن وضعي كان صعبا، وتقبلوا مني.
المهم أنني حاولت إيصال هذه الرسالة لزوجي بطريق غير مباشر حفاظا على كرامتي معه، وكيلا يستغل هذه النقطة ضدي مستقبلا إن تم التوافق، وذلك بأنني فتحت حساب فيس بوك باسم فاعل خير، وأرسلت رسالة لشيخ في المنطقة معروف بصلاحه. ورسالة لزوجي لإقناعه بالتفاهم مع الواسطة دون عناد، والشيخ فعلا بدأ المساعي لحل المشكلة دون أن يعرف أنني صاحبة الحساب، وهو يتعامل معي كأنني رجل.
فهل هذا حرام ويعتبر كذبا؟
والله لم أقصد إلا الإصلاح مع زوجي، فأنا بحاجة لوجوده بجانبي وأريد أن أسهل عليه، مع العلم أنني صاحبة الفتوى رقم: 2458679 في موقعكم، ولكنني بعد هذه الفترة أشعر أنني أريد أن أعطيه فرصة أخرى لعله يتغير.
فما رأيكم بهذا التصرف أيضا؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان صنيعك هذا من باب التورية والمعاريض، ولا ضرر فيه على أحد، فليس هو بمحرم، وليس من الكذب؛ وراجعي في بيان المعاريض الفتوى رقم: 68919.
وليعلم أن الإصلاح من الأمور التي جاء الشرع بالرخصة في توسعة القول فيها؛ سعيا لتحصيلها، كما في الصحيحين عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرا، وينمي خيرا».
قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب، إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
جاء في شرح صحيح مسلم للنووي: قال القاضي: لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور، واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو؟ فقالت طائفة: هو على إطلاقه. وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة. وقالوا: الكذب المذموم ما فيه مضرة، واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم: بل فعله كبيرهم. وإني سقيم. وقوله: إنها أختي. وقول منادي يوسف صلى الله عليه وسلم: أيتها العير إنكم لسارقون. قالوا: ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف، وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو. وقال آخرون منهم الطبري: لا يجوز الكذب في شيء أصلا. قالوا: وما جاء من الإباحة في هذا، المراد به التورية، واستعمال المعاريض لا صريح الكذب. أما كذبه لزوجته، وكذبها له. فالمراد به في إظهار الود، والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك، فأما المخادعة في منع ما عليه، أو عليها، أو أخذ ما ليس له، أو لها، فهو حرام بإجماع المسلمين .اهـ. باختصار. وراجعي الفتوى رقم: 110634 .
والله أعلم.