السؤال
أعلم أن الأب مسؤول عن تصرفات أبنائه، وأنه يأثم إذا لم يوجهم إلى الطريق الصحيح.
ما مدى هذه المسؤولية؟ وهل يجوز للأب ضرب ابنته، وحرمانها من الذهاب إلى المدرسة، والجامعة من أجل أنها لا تريد أن تلبس اللباس الشرعي؟
في الحقيقة لي صديقة كانت تعيش في الخارج، وأتت حديثا للبلاد. هي ملتزمة، وبارة، ومتفوقة جدا في دراستها، لكن عندما طلب منها أن تلبس اللباس الطويل، رفضت، بحجة أنها تنزل إلى الشارع مستورة، وأن ثوبها يصل إلى ما تحت الركبة، وأن أغلب البنات في بلادنا يرتدين ملابس ضيقة قصيرة في حين أنها لا تفعل ذلك. فلم تحرم من ممارسة حياتها بسبب اللباس، في حين أنه يجب أن يكون من اختيارها لا مجبرة عليه!
هي تمضي معظم وقتها في البكاء، ونصحتها بأن هذا شيء تافه، ولا يهم ما يلبس الإنسان.
لست أدري ماذا أفعل فهي كانت إنسانة مثقفة، واعية، تخاف الله، بارة جدا بوالديها، ولكن هذا الموضوع جعلها حساسة، شديدة البكاء، مع أني أرى أن الموضوع تافه بعض الشيء، فهي بالأصل تريدي لباسا يغطي ركبتها، ولا أرى ما الفرق إن أطالت ثوبها قليلا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن الأب مسؤول عن أهل بيته، وأنه يجب عليه تعليمهم، وتأديبهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: علموهم وأدبوهم.
وقال مجاهد: علموهم ما ينجون به من النار.
وفي حديث الصحيحين عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته.
قال ابن عبد البر: فواجب على كل مسلم أن يعلم أهله ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم، ويأمرهم به، وواجب عليه أن ينهاهم عن كل ما لا يحل لهم، ويوقفهم عليه، ويمنعهم منه، ويعلمهم ذلك كله. اهـ.
وقال النووي: باب وجوب أمره أهله، وأولاده المميزين، وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى، ونهيهم عن المخالفة، وتأديبهم، ومنعهم من ارتكاب مَنْهِيٍّ عَنْهُ. اهـ.
ويختلف أمر المسؤولية في الكبير من الولد عن الصغير منهم، فيما يتعلق بالتأديب بالضرب، فمن العلماء من منع من ضرب البالغ، ومنهم من أجازه، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 143235.
ولا شك في أنه في الحالات التي يجوز فيها الضرب، يجب أن تراعى الضوابط الشرعية. وينبغي تحري الرفق في الإصلاح ما أمكن، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، كما ثبتت بذلك السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتراجع الفتوى رقم: 5202، والفتوى رقم: 28313. هذا بالإضافة إلى استخدام أسلوب الإقناع، وقد ذكرنا جملة من هذه الأساليب في الفتوى رقم: 63625.
والحجاب فريضة على المرأة المسلمة، كما سبق وأن بينا ذلك بأدلته في الفتوى رقم: 26387، فهي ليست مخيرة في أن تلبسه، أو لا تلبسه؛ قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36}، فيجب على المرأة المسلمة الالتزام به على كل حال، ويتأكد الأمر إذا أمرها أبوها بلبسه؛ لأن طاعته في المعروف واجبة. ويجب عليه أن يلزمها به، ولا يسمح لها بالخروج متبرجة؛ وراجعي الفتوى رقم: 49745.
وننبه في الختام إلى أن اللباس الشرعي للمرأة المسلمة له مواصفات يجب أن تراعى فيه، وقد ضمناها الفتوى رقم: 6745.
فمن المنكر قولك لها بأنه شيء تافه، وليس هذا من النصيحة في شيء، فالنصح قول الحق برفق ولين، والقول بخلاف الحق غش، وليس بنصح. وقد قال الحسن البصري - رحمه الله - لا تجد المؤمن إلا ناصحا، لا تجده غاشا. اهـ.
والله أعلم.