الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم أولا أن مقتضى إيمان المؤمن الاحتكام إلى نصوص الشرع والتسليم لله في أحكامه، قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء:65}.
وقال سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36}.
ثانيا: أن الله تعالى قد جعل القوامة للزوج على الزوجة، وهي قوامة ترتيب وتدبير لا قوامة تسلط، فهو في بيته بمثابة المدير في أي مؤسسة من المؤسسات، ومن هنا أوجب الله تعالى على الزوجة طاعته في المعروف حتى ينتظم أمر البيت وتستقيم الحياة فيه، وراجع بهذا الخصوص الفتويين رقم: 16032، ورقم: 18814.
وكل من الزوجين باب للآخر يدخل من خلاله إلى الجنة، إذا قام كل منهما بما عليه من حقوق للآخر، قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة:228}.
ولمعرفة الحقوق الزوجية يمكن مطالعة الفتوى رقم: 27662.
فعلى هذا المفهوم السليم ينبغي أن تقوم الحياة بين الزوجين.
ثالثا: أن حديث: أشد الناس عذابا اثنان....حديث صحيح رواه الترمذي في سننه، وقول العلماء بأن إسناده صحيح، يعني أن الحديث صحيح، ولو كانت هنالك نكارة في متنه لبينوها، والشارع هو الذي بين عظم هذا الجرم، وأن صاحبته تستحق هذا الوعيد، ولا يجوز الاعتراض على الشرع في أحكامه، فقد نظن نحن بأهوائنا أن الأمر هين، ويكون عند الله كبير، قال تعالى: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ {النور:15}.
وروى البخاري عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات ـ قال أبو عبد الله ـ أي البخاري: يعني بذلك المهلكات.
فطاعة الزوجة زوجها في المعروف ليست بالأمر الهين، ويدل على ذلك أيضا ما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح.
وقد بين أهل العلم أن طاعة المرأة زوجها ليست مطلقة، بل مقيدة بما يتعلق بالنكاح وتوابعه ـ كالاستمتاع بها على الوجه المشروع وقرارها في بيته، وعدم السماح للآخرين بالدخول في بيته، ونحو ذلك ـ وراجع الفتوى رقم: 64287.
رابعا: أن الشرع لا يحابي جنسا على حساب جنس آخر، ولا يتبع في أحكامه أهواء الناس، لا الرجال منهم ولا النساء، قال تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ {المؤمنون:71}.
وقد يرد شيء من الوعيد الشديد تجاه الرجال إذا تجاوزوا الحد في تعاملهم مع النساء، قال الله عز وجل: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}.
قال القرطبي رحمه الله: إن كنتم تقدرون عليهم فتذكروا قدرة الله، فيده بالقدرة فوق كل يد، فلا يستعلي أحد على امرأته فالله بالمرصاد. اهـ.
وقد أبقى الله الوعيد هكذا مفتوحا على جميع الاحتمالات تعظيما وتهويلا للأمر.
وفي الختام ننصح إخواننا المسلمين بأن لا يشغل الواحد منهم نفسه بمثل هذه الشبهات، ولا ينجر وراء مثل هذه الخواطر التي قد يترتب عليها رد شيء من الشرع أو الاعتراض على شيء من أحكامه، وهو سبيل إلى الكفر بالله تعالى ـ والعياذ بالله ـ وهو ما نربأ بالمسلم أن يصل إليه، وما أدركنا حكمته منها من أحكام الله فذاك، وما لم ندرك حكمته فلنسلم به، ونعتقد أن الله سبحانه لا يشرع شيئا إلا لحكمة، فهو العليم الحكيم، قال تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:14}.
والله أعلم.