السؤال
أنا رجل ثرثار كثير زلات اللسان أقع في الغيبة كثيرا، فنذرت لله أنني كل ما اغتبت شخصا أن أصوم ثلاثة أيام وأستغفر الله في كل يوم 10 آلاف مرة، وقد شق علي الأمر وكثر علي الصوم وتعب جسدي منه، وإن زل لساني بكلمة واحدة عن الرجل وهو يكرهها فإنني أصمت وأكون قد اغتبته، فأصوم ثلاثة، وقد أصبح علي صوم شهر ونصف غير ما يزيد عن 18 يوما انتهيت من صومها، فهل لي من كفارة حتى أعود عن هذا النذر؟ وإذا كانت لا توجد كفارة، فهل لي أن أصوم ثلاثة أيام متقطعة يوما بيوم؟ ولم أذكر في لفظ النذر أنها متقطعة أومتتالية، بل كان لفظ النذر: اللهم إني نذرت لك أنني كل ما اغتبت إنسانا أن أصوم ثلاثة أيام في كل يوم وأستغفر لك فيه 10آلاف مرة، وأنا شديد النسيان وكثير الخلطة مع الناس، حيث أجلس الجلسة ثم أقوم منها وقد نسيت نصف ما تحدثت فيها وأخاف أن أنكون قد اغتبت أحدا ولم أنتبه وأظل شاردا طول يومي ولا أتذكر أحاديثي مع فلان وفلان، أفتوني مأجورين.
وجزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن الثرثرة وكثرة الكلام فيما لا يعني تجر غالبا إلى ما لا تحمد عقباه من غيبة ونميمة وكذب وغير ذلك، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنَ إلى أحد أمرين: قول الخير، أو الصمت، فقال كما في الصحيحين: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت.
فلتتق الله عز وجل ولتعلم أن حصائد الألسن هي أعظم أسباب الوقوع في النار، فقد جاء في حديث الترمذي عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، قال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله؛ وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.
ثم اعلم أن الغيبة من أخطر محرمات اللسان وكبائر الذنوب وأشدها خطرا على العباد، وهي من أكثر الذنوب أكلا للحسنات، وقد ثبت في الحديث أنها أخطر من الزنا بأضعاف مضاعفة، ففي الحديث: الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه. رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني.
ولشدة نكارتها وبشاعتها شبهها الله عز وجل بمن يأكل لحم أخيه ميتا، فقال: ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات:12}.
فتنبه ـ بارك الله فيك ـ لذلك ولا تكن مراعاتك للنذر أعظم من مراعاتك للغيبة.
أما بخصوص ما وقعت فيه: فإنه نذر لجاج، وهو الذي يريد به صاحبه أن يمنع نفسه من فعل شيء معين، أو أن يحثها على فعله، وحكمه أن صاحبه مخير بين الوفاء بما نذر، وبين إخراج كفارة يمين، وانظر الفتوى رقم: 1125.
وكفارة اليمين مبينة في قول الله عز وجل: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}.
أما قولك: فهل لي أن أصوم ثلاثة أيام متقطعة يوما بيوم، ولم أذكر في لفظ النذر أنها متقطعة أو متتالية، بل كان لفظ النذر اللهم إني نذرت لك أنني كل ما اغتبت إنسانا أن أصوم ثلاثة أيام.. فجوابه: أنك ما دمت أطلقت فلا يجب عليك تتابع صيام تلك الأيام، وراجع في هذا فتوانا رقم: 119098، بعنوان: هل يلزم التتابع إذا نذر الصوم وأطلق.
وهذا إنما هو من باب تكميل الفائدة، وأما الواجب عليك في المسألة فقد علمت أنك مخير بين الوفاء به وبين إخراج كفارة يمين، لأن نذرك نذر لجاج؛ كما قدمنا.
والله أعلم.