السؤال
قرأت في مكتبتكم أن الخبر ما احتمل الصدق والكذب, وفي موقع آخر فإن كثيراً من علماء البلاغة الخبر عندهم: ما يحتمل الصدق والكذب، وسبق في كلام السبكي ما أورد على هذا التعريف بهذا اللفظ، إذ ليس كل خبر يحتمل الصدق والكذب، بل من الأخبار ما لا يحتمل أحدهما، خاصة خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم إذ هما صدق لا يحتملان الكذب ألبتة، إلا أن البلاغيين تخلصاً من هذا الإيراد قيدوا الصدق والكذب بالنظر إلى ذات الخبر لا إلى قائله، قال السيوطي: (الكلام إما خبر أو إنشاء لا ثالث لهما؛ لأنه إما أن يحتمل الصدق والكذب، أو لا، والأول الخبر، والثاني الإنشاء، وبعضهم يقيد الأول بقوله: لذاته؛ ليخرج الخبر المقطوع بصدقه، كخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن سكت عن هذا القيد قال: الخبر من حيث هو يحتملهما وإن خرج بعض أفراده لأمر خارج عنه، ألا ترى أن قول الإنسان مثلاً: "زيد قائم" يحتملهما وإن كان السامع يقطع بصدقه لمشاهدته له قائماً) ومعنى هذا أن أبلغ كلام أنشئ علم البلاغة لتلمس إعجازه لا يدخل في هذا التعريف، أو يدخل في هذا التعريف من حيث هو كلام من جنس سائر الكلام، لا من حيث هو قرآن تكلم به أصدق القائلين، وقد اكتسب القرآن الصدق من المتكلِّم به عز وجل، لا من مجرد تطابقه مع الواقع، وهكذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا ناقش بعض الباحثين هذا القيد غير مسلمين بالتعريف، ومن هؤلاء الدكتور منير سلطان قال: (ما معنى الجملة التي تحتوي على معلومة تحتمل الصدق والكذب لذاتها بغض النظر عن قائلها؟ كيف يكون المتكلم صادقاً والخبر الذي يلقيه كاذباً، أو العكس؟! كيف؟! لقد وجدوا أمامهم القرآن الكريم والحديث الشريف والمسلمات من الأحكام، إن جملة "بغض النظر عن قائلها" لا توقعهم في الحرج، ثم أرادوا أن يريحوا أنفسهم فأخرجوا القرآن الكريم والحديث الشريف والمسلمات من القاعدة، وقالوا: هذه الأخبار علم مسبقاً أنها صادقة، ونسوا أن القاعدة التي تعجز عن احتواء القرآن الكريم قاعدة عابثة، ويرى الدكتور ناصر الخنين أنه (لو لم يكن من هذا القيد الذي أثبتوه إلا سوء الأدب مع كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم إذ جعلوا كلامهما ـ المقطوع بصدقه ـ يحتمل الكذب والصدق مع أن مصدره أصدق القائلين, فضلاً على أن في هذا المنهج جرأة على كلام الله من حيث ترك نسبته إليه بدعوى أن ذلك على سبيل الجدل والافتراض والزعم بأنه يحتمل الصدق والكذب حتى يدخل في تعريف الخبر, فليس من الأدب شرعاً أن نفترض في كلام الله أنه منقطع عن قائله أو أنه كلام عادي يحتمل الصدق والكذب كغيره من كلام البشر، ذلك تمحل نهينا عنه شرعاً، قال بعض أهل العلم أن الخبر: ما يتطرق إليه التصديق أو التكذيب, قال الغزالي بعد أن ذكره: (وهو أولى من قولهم: يدخله الصدق والكذب؛ إذ الخبر الواحد لا يدخله كلاهما، بل كلام الله تعالى لا يدخله الكذب أصلاً، والخبر عن المحالات لا يدخله الصدق أصلاً) وذكر الشيخ ابن عثيمين في الخبر أنه: الكلام الدائر بين النفي والإثبات من قبل المتكلم، المقابل بالتصديق أو التكذيب من قبل المخاطب وهذا وصف حسن، ولا يرد عليه كثير إشكال، ولو اقتصر على الجزء الثاني لكان أسهل وأضبط، فيقال: الخبر هو: الكلام الذي يقابل بالتصديق أو بالتكذيب، وهذا ضابط سهل للمتعلمين؛ لأنه يضبط الخبر بأخص أوصافه الظاهرة، كما أنه لا يوقع في الحرج مع كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن "أو" في التعريف كما يظهر للتنويع ومنع الخلو، فأي كلام لا يخلو إما أن يقابل بالتصديق ومنه كلام الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو يقابل بالتكذيب، على هذا فإن التصديق والتكذيب ليس مرده إلى مطابقة الواقع، بل يوصف الخبر بالصدق لأن قائله منزه عن الكذب كخبر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومطابقته للواقع تبع لقائله، ويوصف الخبر بالصدق لمطابقته للواقع ولو كان قائله معروفاً بالكذب كما في حديث الشيطان مع أبي هريرة رضي الله عنه، و لا عجب أن يكون المتكلم كاذباً بل كذوباً وخبره صدق، وقد ورد ذلك في وصف النبي صلى الله عليه وسلم للشيطان في حديث أبي هريرة قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فذكر الحديث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان) سؤالي هل الإقرار كاذبا بالطلاق يعد خبرا، وبالتالي لا يقع ديانة؟ أم أنه يقع ديانة وهو قابل للتصديق والتكذيب؟.