السؤال
أذنب رجل ذنبا ثم تاب، ثم عاد إلى الذنب، فلما تكرر منه ذلك وأيس من نفسه قال: لئن عدت إلى الذنب لأتصدقن بكذا من المال، فلبث على ذلك زمانا طويلا، ثم عاد فتصدق ثم عاد فتصدق حتى شق عليه ذلك وتعذرت عليه الصدقة، فهل تكفيه صدقة واحدة عن ذنوبه السابقة أو كفارة يمين؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنذر ينعقد بكل قول يشعر بالالتزام على وجه التقرب إلى الله تعالى، كقولك: لله عليّ كذا، أو لئن عدت إلى الذنب لأتصدقن بكذا.
جاء في شرح مختصر خليل للخرشي: ولو قال إن شفى الله مريضي فلزيد كذا فهو نذر لا يقضى به، كذا كتب بعض الشيوخ ولغيره أنه يقضى به، ولذا قال شب في شرحه، وأما إن قال إن شفى الله مريضي فداري صدقة فإنه يلزمه؛ لأن هذا ليس من اليمين. اهـ
وجاء في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى: النوع (السادس) (نذر تبرر كصلاة وصوم واعتكاف) وصدقة بما لا يضره ولا عياله ولا غريمه، (وحج وعمرة) وزيارة أخ في الله، وعيادة مريض، وشهود جنازة (يقصد التقرب بلا شرط أو علق بشرط وجود نعمة) يرجوها (أو دفع نقمة) يخافها (كقوله إن شفى الله مريضي أو سلم مالي) لأتصدقن بكذا، أو حلف بقصد التقرب ك: والله لئن سلم مالي لأتصدقن بكذا (فوجد شرطه، لزمه) الوفاء بنذره نصا. اهـ
وانظر الفتويين التالية أرقامهما: 132158، 160087.
وواضح أن قصد السائل من هذا النذر هو منع نفسه من فعل المعصية، وبذلك فإن نذره من باب نذر اللجاج والغضب، فإذا حنث فيه، وفعل المعصية المقصودة، فعليه التوبة، ثم هو مخير بين الوفاء بما نذر، أو إخراج كفارة يمين على المفتى به عندنا، وانظر الفتوى رقم: 217156، والفتوى رقم: 17466.
وإذا فعل أيا من ذلك ينحل نذره وتبرأ ذمته، ولا يلزمه بعد ذلك الوفاء بالنذر أو إخراج الكفارة إذا فعل ما نذر عدم فعله؛ لأنه لم يعد عليه نذر أصلا، ما لم يكن لفظ نذره يقتضي التكرار ـ كأن يقول كلما فعلت كذا فعلي كذا ـ فعليه ـ حينئذ ـ الكفارة أو الوفاء بما نذر كلما حصل موجب ذلك؛ لأن نذر اللجاج يجري مجرى اليمين، وقد بينا في الفتوى رقم: 136912، أن الكفارة لا تتعدد بتعدد الحنث إلا إذا اقترن بها لفظ يدل على إرادة التكرار، وكذا إذا اقترنت بها نية دالة على إرادته.
ومن ثم فلو كان الشخص نذر أنه كلما وقع في الذنب يتصدق بمبلغ من المال، فإن الواجب عليه أن يوفي بنذره أو يكفر كفارة يمين كلما حصل منه ذلك الذنب، ولا يكفي أن يفعل ذلك مرة واحدة.
وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن عجز عن كل ذلك صام ثلاثة أيام، قال تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}،
هذا، ونحذر الأخ السائل من اليأس والقنوط من رحمة الله، فإن ذلك بحد ذاته ذنب تجب منه التوبة، قال عز وجل ـ حكاية عن إبراهيم عليه السلام ـ: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}.
وليعلم أنه على خير، ولا يضره ما يفعل ما دام كلما أذنب تاب، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل، قال: أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك. قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة: «اعمل ما شئت» .متفق عليه واللفظ لمسلم .
والله أعلم.