السؤال
كنت على معصية ونذرت لله وعاهدته إذا عدت إلى المعصية أن أصوم ثلاثة أيام على كل معصية، فعدت إليها مرات كثيرة جدا، فهل علي كفارة أو أصوم ثلاثة أيام على كل غلطة ومعصية، فهذا فيه مشقة علي؛ لأني لو حسبت الغلطات فهي كثيرة ويجب أنا أصوم أكثر من شهرين؟ أو أصوم ثلاثة أيام فقط عن جميع الغلطات التي اقترفتها؟
علما بأني لما نذرت قلت: (سأصوم ثلاثة أيام عن كل معصية واحدة) وعدت إلى نفس المعصية وبمرات كثيرة، ونذرت لله نذرا لكي أردع نفسي عن المعاصي، والآن لي سنة لم أعد إليها، وتبت توبة نصوحا، ولكن سؤالي: هل علي كفارة أو أصوم ثلاثة أيام على كل ذنب واحد؟
أرجو الرد وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نذر صيام ثلاثة أيام عند فعل المعصية بقصد كف النفس عن الوقوع فيها هو من نذر اللجاج والغضب، وحكمه حكم اليمين، فلا يلزم الوفاء به، بل يخير الناذر بين فعل المنذور وبين كفارة اليمين عند جمهور العلماء، قال ابن قدامة: إذا أخرج النذر مخرج اليمين، بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئا، أو يحث به على شيء، مثل أن يقول: إن كلمت زيدا، فلله علي الحج، أو صدقة مالي، أو صوم سنة، فهذا يمين، حكمه أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه، فلا يلزمه شيء، وبين أن يحنث، فيتخير بين فعل المنذور، وبين كفارة يمين، ويسمى نذر اللجاج والغضب، ولا يتعين عليه الوفاء به، وإنما يلزم نذر التبرر، وهذا قول عمر، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وحفصة، وزينب بنت أبي سلمة، وبه قال عطاء، وطاوس، وعكرمة، والقاسم، والحسن، وجابر بن زيد، والنخعي، وقتادة، وعبد الله بن شريك، والشافعي، والعنبري، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر، وقال سعيد بن المسيب: لا شيء في الحلف بالحج، وعن الشعبي، والحارث العكلي، وحماد، والحكم: لا شيء في الحلف بصدقة ماله؛ لأن الكفارة إنما تلزم بالحلف بالله تعالى، لحرمة الاسم، وهذا ما حلف باسم الله، ولا يجب ما سماه؛ لأنه لم يخرجه مخرج القربة، وإنما التزمه على طريق العقوبة، فلم يلزمه، وقال أبو حنيفة، ومالك: يلزمه الوفاء بنذره؛ لأنه نذر فيلزمه الوفاء به، كنذر التبرر. وروي نحو ذلك عن الشعبي، ولنا، ما روى عمران بن حصين، قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: «لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين». رواه سعيد بن منصور، والجوزجاني، في " المترجم ". وعن عائشة، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «من حلف بالمشي، أو الهدي، أو جعل ماله في سبيل الله، أو في المساكين، أو في رتاج الكعبة، فكفارته كفارة اليمين». ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولا مخالف لهم في عصرهم، ولأنه يمين، فيدخل في عموم قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة: 89]، ودليل أنه يمين، أنه يسمى بذلك، ويسمى قائله حالفا، وفارق نذر التبرر؛ لكونه قصد به التقرب إلى الله تعالى والبر، ولم يخرجه مخرج اليمين، وها هنا خرج مخرج اليمين، ولم يقصد به قربة ولا برا، فأشبه اليمين من وجه والنذر من وجه، فخير بين الوفاء به وبين الكفارة، وعن أحمد، رواية ثانية، أنه تتعين الكفارة، ولا يجزئه الوفاء بنذره، وهو قول لبعض أصحاب الشافعي؛ لأنه يمين، والأول أولى؛ لأنه إنما التزم فعل ما نذره، فلا يلزمه أكثر منه، كنذر التبرر، وفارق اليمين بالله تعالى؛ لأنه أقسم بالاسم المحترم، فاذا خالف لزمته الكفارة، تعظيما للاسم، بخلاف هذا. اهـ. من المغني . وانظر الفتوى رقم: 17762.
وأما معاهدة الله: فلها حكم نذر اللجاج والغضب الذي سبق الكلام عليه، وراجع الفتوى رقم: 232192.
لكن نذرك هذا يتكرر بتكرار وقوع ما علقته عليه ـ وهو فعل تلك المعصية ـ، لأن الصيغة التي نذرت بها تقتضي التكرار، وانظر في هذا الفتوى رقم: 219667، وانظر كذلك الفتوى رقم: 256072.
الله أعلم.