السؤال
أنا صاحب الفتوى رقم 294337، وقد أجبتم عن بعض النقاط مشكورين، وطلبتم مني المراسلة في بقيتها، قلتم إن اللائي لم يحضن سواء كبيرة أو صغيرة لم تحض، وقلتم إن غير واحد من السلف الصالح تزوج من صغيرة، ولكن واضح من البداية في سؤالي هو أن نكاح الصغيرة لم يعد صالحًا في عصرنا، وأن المعنى المرجو هي التي بلغت جسمانيًّا ولم يأتها الحيض، وأحاول التدليل على ذلك بنقطتين:
أولًا: أقوال بعض الأئمة وهي معلومة لدى فضيلتكم مسبقًا: قال السرخسي في المبسوط: فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة، ولأن ثبوت الولاية على الصغيرة لحاجة المولى عليه، حتى إن في ما لا تتحقق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات، ولا حاجة بهما إلى النكاح؛ لأن مقصود النكاح طبعًا هو قضاء الشهوة، وشرعًا النسل، والصغر ينافيهما، ثم هذا العقد يعقد للعمر وتلزمهما أحكامه بعد البلوغ، فلا يكون لأحد أن يلزمهما ذلك إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد البلوغ.
قال ابن عثيمين في شرحه على البخاري: وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ، يعني: اللائي لم يحضن عدتهن ثلاثة أشهر، ولا عدة إلا بعد نكاح، والتي لم تحض على حسب استدلال البخاري -رحمه الله تعالى- هي التي لم تبلغ، أي: صغيرة. ولكن قد يقال: إن البلوغ ليس علامته الحيض فقط، فقد تبلغ بخمس عشرة سنة وتُزوَّج، ولا يأتيها الحيض، فهذه عدتها ثلاثة أشهر، فلهذا استدلال البخاري فيه نظر؛ لأنه ما يظهر لنا أنها تختص بمن لا تحيض، فإنه يمكن أن تبلغ بتمام خمس عشرة بالإنبات، أو بالإنزال، كما هو معروف. ثم استطرد رحمه الله: فالمسألة عندي أن منعها أحسن، وإن كان بعض العلماء حكى الإجماعَ على جواز تزويج الرجل ابنته التي هي دون البلوغ، ولا يعتبر لها إذن، لأنها ما تعرف مصالحها. فالذي يظهر لي أنه من الناحية الانضباطية في الوقت الحاضر، أن يُمنع الأبُ من تزويج ابنته مطلقًا، حتى تبلغ وتُستأذن، وكم من امرأة زوّجها أبوها بغير رضاها، فلما عرفت وأتعبها زوجها قالت لأهلها: إما أن تفكوني من هذا الرجل، وإلا أحرقت نفسي، وهذا كثيرًا ما يقع، لأنهم لا يراعون مصلحة البنت، وإنما يراعون مصلحة أنفسهم فقط، فمنع هذا عندي في الوقت الحاضر متعين، ولكل وقت حكمه.
ثانيًا: سؤال مما سبق، فقد كره بعض الأئمة العقد على الصغيرة خاصة أئمة زماننا، ولا بد أن أقف عند قول السرخسي أن زواج الصغيرة لا يحقق الغرض من الزواج ولا معنى له. ما الغرض الذي يتحقق من زواج من لم تحض أي لم يأتها تبويض، وبالتالي؛ هرمونات الأنوثة لم تفرز بالقدر الذي يترتب عليه مظاهر الأنوثة، وبالتالي فقد أصبح الزواج وطئا لا غير، أليس الأنسب في زماننا زواج من قد بلغت وصارت في حاجة وتفهم للزواج خاصة ما انتشر في زماننا من عنوسة وغيره، ثم إن ما كان من السلف فقد كان العرف وحال الأبدان لا ينكره، أما في زماننا صار مستنكرًا، وصار ملحقًا الضرر، وبالتالي؛ أرجو أن تفتونا بما يصلح لعصرنا لتفسير هذه الآية ،وحكم زواج الصغيرة، علمًا بأنه طبيًّا هذه الحالة معروفة بـ Primary amenorrhea