الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم عمل مستندات غير حقيقية لإعانة صاحب الشركة على الاقتراض من البنوك

السؤال

موضوع استشارتي هو أني أعمل في السعودية بمهنة محاسب منذ 2011، وأنا متخرج من كلية حقوق عام 2010، ولله الحمد تدربت على هذه المهنة على أيدي متخصصين حتى أصبحت ملمًّا بهذه المهنة، وأصدقائي يعاملونني على أني متخرج من تجارة -وهذا فضل من الله تعالى-.
تركت العمل مع المكتب الذي تدربت فيه، وانتقلت لمؤسسة مقاولات صاحبها رجل على خلق، ويعاملني كأنني أخ صغير له، وليس موظفًا عنده، والعلاقة التي بيني وبينه ممتازة جدًّا -ولله الحمد-، ولكن المشكلة الوحيدة أنه لا يسلمنا الرواتب إلا كل 3 أو 4 أو 5 أشهر بسبب تعسره في المشاريع، وكثرة الديون عليه، وبما أنني المحاسب المسؤول على المؤسسة، كل يوم عملاء يتصلون على جوالي لطلب مبالغ لهم، ويزعجونني في نومي، وفي عملي، وكل ساعة، وأنا لا أعرف حتى النوم بعد انتهاء الدوام الرسمي، وأنا أنصحهم بالاتصال مباشرة مع صاحب المؤسسة، ولكن يعاودون الاتصال عليّ مرات أخرى، ويسببون لي ضغوطًا نفسية، ومشاكل، ويتهمونني أنني لا أنقل شكواهم لصاحب العمل، وأني مقصر في عملي، لدرجة أنني أفكر بترك العمل بسببهم لأنهم يحملونني الذنب، وهذا هو الأمر الأول.
والأمر الثاني هو: طلب صاحب العمل مني أن أعدل في نسب إنجاز المشاريع المتأخرة، وتغيير أرقام أوراق وميزانيات غير حقيقة، لكي نقدمها للبنوك؛ لطلب قروض لسداد الديون، والتنازل لصالح البنك على مستخلصات هذه المشاريع، وتوقيع اتفاقيات مع البنك، وكذلك يلجأ صاحب العمل إلى أن يشارك أشخاصًا معهم أموال في المشاركة في المشروع نظير نسبة من الربح يتفقون عليها تصل إلى 70% من الربح، ويجعلونني أكتب لهم نص العقد، وكل طرف يستلم نسخة، وأنا أرى أن جميع هذه الاتفاقيات تنتهي بعدم الاتفاق بسبب تعسر المشاريع، ويلجأ صاحب العمل إلى سداد رأس المال المدفوع ونسبة قليلة يتفقون عليها بعد المشاورات، ويلجأ بعضهم إلى أخذ حقه من المحاكم، وأنا نصحته أكثر من مرة بعدم توقيع مثل هذه الاتفاقيات لأن أصحاب الأموال يتواصلون معي في المؤسسة، وهو لا يرد عليهم، ويقول لي: إذا سأل أحد عليّ فقل له: غير موجود، ومسافر خارج البلاد. وهو يبقى متواجدًا في بيته، وهذا كله ليس لأنه يتهرب منهم لعدم سداد المبالغ وأكل حقهم، ولكن لتعسره في السداد. وأنا لي 4 سنوات معه لم أر أنه ظلم أي عميل، ولكنه يطول في سداد المستحقات لعدم توافر المال المناسب معه.
أفيدوني -جزاكم الله خيرًا- هل أنا آثم فيما أفعله؟ وماذا يجب عليّ فعله تجاه العملاء؟ لأني محتار جدًّا، وإنني أفكر في ترك هذا العمل لأنهم يتهمونني بالنصب والاحتيال، وإني تركت بلادي سعيًا وراء لقمة العيش الحلال فقط، ولم أفكر ولو للحظة واحدة في الحرام -أعاذني الله وإياكم-، وكم كنت أنصح زملائي بأن الحلال أفضل بكثير من الحرام, وآسف جدًّا على الإطالة، والكلام الذي بداخلي كثير، ويتعبني ويجعلني أفكر في ترك العمل والعودة لبلادي، فما هي نصيحتكم لي؟ وماذا يجب عليّ فعله؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما تقوم به مما ذكرت في سؤالك إنما هو إعانة لصاحب المؤسسة على فعله، ومن ثم ينبني حكم ما تقوم به على حكم ما يفعله.
وحسب ما ذكرت في سؤالك؛ فإن صاحب المؤسسة يريد الكذب على البنوك من أجل الحصول على القروض، كما يريد الكذب على أصحاب الأموال بسبب إعساره.

والأصل في الكذب أنه محرم، ولا يجوز إلا لضرورة أو حاجة ماسة أو مصلحة راجحة.

وبخصوص الكذب على البنوك من أجل الاقتراض منها: فلا يجوز؛ لما فيه من الغش، وتعريض أموال الغير للضياع، وهذا على تقدير أن القرض المشار إليه بدون فوائد، وإلا فإن الاقتراض بفائدة -وإن قلّت- محرم أصلًا ما لم تكن هناك ضرورة. وانظر الفتويين 282022، 186161، وإحالاتهما.

وأما الكذب على أصحاب الأموال: فالأصل أنه محرم، لكن حيث تقرر إعسار صاحب المؤسسة، فليس لهم أن يطالبوه بديونهم؛ لعموم قوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280}.

وأما بخصوص مشاركة أصحاب الأموال: فإنهم يتحملون شرعًا حصتهم من الخسارة، ولا يجوز لهم أن يطالبوا برؤوس أموالهم كاملة، فضلًا عن أخذ نسبة زائدة عليها، وانظر الفتويين التاليتين: 112990، 77667، ومن ثم فيجوز لصاحب المؤسسة التهرب ممن يطالبونه بذلك، كما يجوز له التهرب ممن يطالبونه بديونهم حال إعساره.

وأما بالنسبة لك: فحيث تقررت حرمة الكذب لأجل الاقتراض من البنك، فتحرم عليك معاونة صاحب المؤسسة على ذلك؛ لعموم قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.

وأما بخصوص أصحاب الأموال: فننصحك باستعمال المعاريض معهم؛ ففيها مندوحة عن الكذب. وانظر الفتوى رقم: 171347، وما أحيل عليه فيها.

وإن كنت لا تأمن على نفسك من معاونة صاحب المؤسسة على الكذب المحرم وغيره من المحظورات الشرعية، فعليك بأن تبحث عن عمل آخر مباح، وتترك العمل مع الشخص المذكور. أما إن كنت تأمن من إعانته على الحرام، فلا بأس باستمرارك معه. وحينئذ إن رأيت أن تعود إلى بلادك، فننصحك قبل أن تقرر ذلك بأن توازن جيدًا بين الأمرين من حيث المصالح والمفاسد في كل منهما، كما نذكرك بصلاة الاستخارة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني