الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الاكتساب من إنشاء موقع يتيح للقراء إبداء آرائهم فيما تنشره الصحف

السؤال

هل إنشاء موقع إخباري يتيح للناس في كل دولة التعبير عن رفضهم لعرض الصحف في بلدهم نوعية معينة من الأخبار التي لا يريدون رؤية المزيد منها (كأخبار الجرائم مثلًا)، أو العكس؛ يتيح لهم قول تأييدهم ورغبتهم في رؤية المزيد من هذه النوعية من الأخبار (كأخبار الإنجازات مثلًا) عن طريق أن هذا الموقع يجلب الأخبار (سيئها وحسنها، والمهم والتافه منها) تلقائيًّا من مواقع الأخبار الأخرى في كل دولة من دول العالم بلغتها، ومن ثم ينشرها فيه، ويتيح للناس الذين يزورون الموقع التصويت على الخبر المعروض بالرفض أو التأييد لعرض مثله بالضغط على زر لذلك تحت كل خبر، ومن ثم يعرض الموقع قائمة يومية لأكثر الأخبار التي لا يريد الناس رؤية المزيد منها تعرض من مصادر الأخبار هذه، والعكس كذلك، وذلك عن طريق ترتيب نسب التصويت على الأخبار، مع ذكر اسم الجريدة مصدر الخبر بجانب كل خبر، وبالتالي هذا قد يصل إلى الجرائد، وبالتالي يعلمون رأى الناس فيما ينشرون سواء برفض أو تأييد عرض نوعية الأخبار هذه، وبالتالي قد يجعل هذا الجريدة تقلل أو تزيد من عرض نوعية الأخبار هذه امتثالًا لتعبير الناس بالرفض أو التأييد -فهل هذا يعد إعطاء وسيلة للناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول فضلًا عن القلب؟ لأن الصحف والقنوات تجلب على الناس ما تشاء، ولا يوجد للناس وسيلة للتعبير عن رفضهم أو تأييدهم لرؤية المزيد من هذه الأخبار تنشر.
وهل الربح من الموقع في هذه الحالة حلال؟ أم هناك اختلاط لأن الأخبار المعروضة تحوي كل الأخبار تقريبًا في دولة ما لكي يقرأها الناس ويصوتوا عليها إذا شاءوا.
ولكن هناك مخاوف من أن يأمر الناس في دولة ما بالمنكر، ويعبرون عن ذلك بالتصويت على خبر سيئ، وهناك مخاوف أيضًا من الآية: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا".

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يظهر حرج في إنشاء مثل ذلك الموقع ما دام الغالب عليه نشر ما هو مباح، وكذا التصويت عليه، واحتمال نشر خبر محرم أو اختياره لا يمنع ذلك، وعلى القائمين على الموقع منع مثل ذلك، وحجب الأخبار السيئة التي تنشر الفاحشة وتدعو إلى الرذيلة وهدم القيم أو نحو ذلك، ولو أمرّوها فهم آثمون. وانظر ما بيناه في الفتوى رقم: 277477.

والتربح من الموقع لا حرج فيه، ولو نشر فيه خبر محرم واعتيض عنه، فما اكتسب مقابله فهو حرام، وأما ما اكتسب مما هو مباح فيجوز الانتفاع به.

والقصد الحسن بفتح منبر إعلامي لتمكين الناس من الصدع بالحق أو إنكار المنكر يجد صاحبه أجره. وانظر الفتوى رقم: 199121.

وأخذ الأجر المادي على خدمات الموقع لا يذهب النية الحسنة في ابتغاء الثواب من عند الله في نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة؛ قال الشيخ/ محمد المختار الشنقيطي مستدلًّا ومبينًا أن طلب الحظ الدنيوي لا يمنع ابتغاء الثواب الأخروي: (ومن الأدلة على صحة هذا القول: قول الحق تبارك وتعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ}، فإنها نزلت -كما صح- في أقوام يريدون الحج والتجارة، فالحج عبادة والتجارة دنيا، فلم يقدح في إرادة الآخرة وجود حظّ الدنيا، كما دل على صحة هذا القول دليل السنة الصحيح، فإن المصطفى عليه الصلاة والسلام قال قبل القتال: من قتل قتيلًا فله سلبه. وهذا القول قاله لترغيب الناس في القتال، فأعطى على القتال الذي يراد به وجه الله حظًّا من الدنيا. قال بعض العلماء: في هذا دليل على أنه لا يقدح في الإخلاص وجود حظّ من الدنيا إذا لم يكن هو مقصود العبد.

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن الكريم للأطفال الصغار؟ وإذا أفتيتم بالجواز فهل للمعلم ثواب عند الله بعد أخذه للأجرة الشهرية؟

فأجابوا: تعلم القرآن الكريم وتعليمه من أفضل القرب إلى الله جل وعلا، إذا صلحت النية، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم القرآن وتعليمه بقوله: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. وأخذ معلمي القرآن الأجرة على تعليمه لا ينافي حصول الثواب والأجر من الله جل وعلا إذا خلصت النية. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه، وسلم. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني