السؤال
أعتذر من موقعكم عن كثرة الأسئلة، وأستحلفكم بالله أن تجيبوني بفتوى صريحة؛ فأنا مبتلى بوسواس قهريٍّ منذ زمن، وأخشى إن شافهت عالماً، أو فقيهاً أن أزلَّ، ولا ينطلق لساني، ولا ثقة لي إلَّا بموقعكم، وإنِّي أعاهدكم أمام الله أن يكون هذا آخر أسئلتي حول نفس المسألة؛ فلا تبخلوا عليَّ بعلمكم.
إنْ اتَّسعَ صدركم لديَّ عدَّة أسئلة، أرجو الإجابة عنها جميعاً:
في الحالة الأولى: سألْتُ زوجتي عن فِعْلٍ أتَتْ به، فأَنْكَرَتْ؛ فقُلتُ لها: " لقد كَذَبْتِ عَلَيَّ، خَدَعْتِني، أوْهَمْتِني"؛ فقالت: " ما خَدَعْتُك"، وأصَرَّت على إنْكارِها؛ فقلتُ لها: " لقد كَذَبْتِ عَلَيَّ، خَدَعْتِني، أوْهَمْتِني؛ أنْكِري واحدةً، وأنْتِ طالق"، وإنَّما أرَدْتُ بذلك أنْ أَضَعَ حَدَّاً لإنْكارها، ولَمْ أنْوِ بذلك الطَّلاق.
فما حُكمها؟
في الحالة الثَّانية: نَشَبَ شِجارٌ بيني وبين زوجتي على إِثْر فِعْلٍ أتَتْ به؛ فقلتُ لها: " أعيديها وأنْتِ طالق "، ولا أجزم بنيَّتي حينها، وإنَّما أعلم من نفسي أنِّي لو أردت طلاقها؛ لما كنت أمهلتها.
في الحالة الثَّالثة: أغْضَبَتْني منها كلمة، ورُبَّما كرَّرَتْها مِراراً؛ فقلتُ لها: " أعيديها وأنْتِ طالق"، أريدُ منْعَها من تكرار تلك الكلمة مُجدَّداً.
فما حُكمها؟
في الحالة الرَّابعة: نَشَبَ شِجارٌ بيني وبين زوجتي، فالْتَجَأَتْ إلى بيت والدي، وأرادَت المبيتَ عنْدَه؛ فقلتُ لها: " إذا نِمْتِ خارجَ بيْتِك، فأنْتِ طالق"، أريدُ منْعَها من المبيتِ عنده.
فهل وقع بهذا طلاق؟
أمَّا عن حالتي؛ فأنا وإن لم أكن أعاني حينها من وسواس الطَّلاق، إلَّا أنِّي مبتلى بوسواس قهريٍّ منذ زمن؛ فكنت سريع الغضب من ضيق الصَّدر النَّاتج عن الوسوسة في شؤوني كلِّها.
وأمَّا عن نيَّتي؛ فلا أجزم بنيَّتي حينها، وإنَّما وعملاً بأوَّل خاطر؛ فلم أنوِ بها الطَّلاق، وإنَّما أرَدْتُ منعها.
وقد حَنثَتْ بها جميعاً في حينها، وعاشرتها من بعدها معاشرة الأزواج، وأنجبتُ منها طفلين، ولم أستفتِ فيها عالماً أو فقيهاً؛ فأستغفر الله على ما فرَّطتُ، ولم أقلِّد مذهباً فقهيَّاً، ثمَّ احتسبتها بفطرتي أيماناً مكفَّرة، ولم أحتسبها طلاقاً، إلى أن وقعت على قول ابن تيميَّة في المسألة فأخذتُ به.
فهل تحلُّ لي من بعدها؟
وهل عليَّ وزرٌ بعدم التقدُّم لطلب الفتوى، أو مشافهة أحد العلماء في حينها، وهل يترتَّب على ذلك حكمٌ شرعيٌّ، أم إنَّ العبرة هي في وقوع الطَّلاق، أو عدمه؟
وفي الحالة الخامسة: كنت فيما مضى قد طلَّقت زوجتي وهي حائض، جاهلاً بالحكم الشرعيِّ، وبحرمة طلاق المرأة في الحيض؛ فلم أخبر من أفتاني بحال زوجتي من الحيض، كما لم يَسْتبِن هو عن حالِها؛ وعلى ذلك فقد احتسبها طلقة؛ فراجعت زوجتي عملاً بمقتضى الفتوى، إلَّا أنَّها حاكت في نفسي، ولم أنوِ التزامها، أو أحتسبها طلقة إلى أن أستبين حكمها؛ ثمَّ وقعتُ على قول ابن تيميَّة في المسألة، فأخذتُ به إيماناً بصوابه، وليس تتبُّعاً للرُّخص.
فهل عليَّ وِزر؟
وقد علمتُ مؤخَّراً أنَّ من قلَّد مجتهداً، فليس له أن يعدل عن رأيه إلى غيره في نفس النَّازلة، وأنَّ الرُّخصة في ذلك إنَّما هي للموسوس؛ وأنا وإن لم أكن أعاني حينها من وسواس الطَّلاق، إلَّا أنِّي مبتلى بوسواس آخر في المسألة؛ فلو كنت احتسبتها طلقة عملاً بقول الجمهور، لهان عليَّ فراقها، ولقلت في نفسي "إن احتسبتها طلقة؛ فلا حاجة لك بها؛ فطلِّقها واسترح"
فهل لي أن أعمل بهذه الرُّخصة، وإن لم أكن أعاني حينها من وسواس الطَّلاق؛ خاصَّةً وأنِّي بدأت أوسوس بأيماني السابقة، وبنيَّتي فيها، وما وقع منها؟
نفَعَ اللّه بكم، وبعِلْمِكم، وجَزاكم عن أُمَّة الإسلام خيْر الجزاء.