السؤال
ما الفرق بين إيواء المحدث الذي يستحق من فعله اللعن، وبين التستر على من فعل ما يوجب الحد وكان يريد التوبة؟ وهل إيواء المحدث الذي يستحق صاحبه اللعن هو بعدما وصل الأمر لولي الأمر ومع ذلك تستر على الجاني؟ وهل هذا في جميع المعاصي أم فقط في المعاصي التي فيها حد؟ وهل إذا كان في المعاصي التي توجب الحد يشملها كلها؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل يريد بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله من آوى محدثا. رواه مسلم.
أو قوله صلى الله عليه وسلم في حرم المدينة النبوية: من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. متفق عليه.
والحدث في هذا الحديث يفسر بالجناية على الناس وظلمهم، أو الجناية على دينهم بالابتداع فيه، قال الخطابي في معالم السنن: يريد من آوى جانياً أو أجاره من خصمه. اهـ.
وقال التوربشتي في شرح مصابيح السنة وتبعه الطيبي في شرح المشكاة: محدثا ـ بكسر الدال، وهو الذي جنى على غيره جناية، وإيواؤه: إجارته من خصمه والحيلولة بينه وبين ما يحق استيفاؤه، ويدخل في ذلك الجاني على الإسلام بإحداث بدعة، إذا حماه من التعرض له، والأخذ على يده لدفع عاديته. اهـ.
وقال المناوي في شرح الجامع الصغير: محدثاً ـ اسم فاعل من أحدث إذا أتي بجناية ففر إلى من يمنعه من انتصاف خصمه منه، فإنه يحرم الحيلولة بينه وبين ما أمر الله به من الانتصاف منه. اهـ.
وقال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: والحدث هنا يراد به شيئان:
الأول: البدعة ـ فمن ابتدع فيها بدعة فقد أحدث فيها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ـ فمن أحدث فيها حدثا أي ابتدع في دين الله ما لم يشرعه الله في المدينة فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين..
والنوع الثاني من الحدث: الفتنة ـ أن يحدث فيها فتنة بين المسلمين، سواء أدت إلى إراقة الدماء أو إلى ما دون ذلك من العداوة والبغضاء والتشتت، فإن من أحدث هذا الحدث فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. اهـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري: والمراد بالحدث والمحدث الظلم والظالم على ما قيل، أو ما هو أعم من ذلك. اهـ.
وإذا فُسِّر ما هو أعم من ذلك بحدود الله التي توجب على متعديها العقوبة، فإن ذلك يختص بالحال التي يتوفر فيها شروط وجوب إقامة الحد، بحيث يحكم بلزومه على المتعدي، فإذا حال شخص بينه وبين إقامة الحد الذي وجبت إقامته عليه فهو ممن آوى محدثا، قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: قوله عليه السلام: من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا ـ قال أبو عبيد: الحدث: كل حد لله يجب على صاحبه أن يقام عليه، وهذا شبيه بحديث في الرجل يأتي حدا من الحدود، ثم يلجأ إلى الحرم: أنه لا يقام عليه الحد، ولكنه لا يجالس ولا يكلم حتى يخرج منه، فإذا خرج منه أقيم عليه الحد، فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم حرمة المدينة كحرمة مكة في المأثم في صاحب الحد ألا يؤويه أحد حتى يخرج منه فيقام عليه الحد. اهـ.
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 188203.
ولا يخفى الفرق الكبير بين هذه الحال، وبين حال من اقترف ذنبا يوجب الحد ويريد أن يتوب، فيستر على نفسه، ويستر عليه من رآه من المسلمين، فهذا مندوب إليه، مثاب فاعله، ولا يجب على صاحبه الحد أصلا، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 112794، ورقم: 35747.
والله أعلم.