السؤال
ما حكم الإسلام في الزانية أو الزاني التائب، من ناحية النظرة الاجتماعية؟ لا شك أنه يجيز الزواج منهما، ولكن نظرة المجتمع وخاصة الزانية في مجتمعنا الذي فيه كثيرون لا يرحمون المرأة أصلا، لا يرحمون الزانية وأهلها وأقاربها.
فلماذا يتحدث بعض الفقهاء عن أن الذي وقع في هذه الجريمة البشعة، أنه بذلك يضيع مستقبل كل بنات الأسرة، ويصبح وصمة عار، وهو شيء قد يقع فيه أي إنسان، وأنا أسأل: أليس الإسلام قد فرق بين ذنب شخص وشخص آخر؟ فما ذنب العائلة وبنتها ليتم تحميلهم ذنب أحدهم في الدنيا وهم لم يفعلوه؟ علما بأن هذه النظرة لا تنتشر إلا في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل الديني والدنيوي، ولكن للأسف قرأت لفقيه ذلك. فما هي وجهة نظر الإسلام في ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوبة تجُبُّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وقد توعد الله المشرك والقاتل والزاني بمضاعفة العذاب، ثم استثنى التائبين، ووعدهم بأن يبدل سيئاتهم حسنات، فقال سبحانه: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان: 68 - 70].
قال السعدي: {إِلا مَنْ تَابَ} عن هذه المعاصي وغيرها، بأن أقلع عنها في الحال، وندم على ما مضى له من فعلها، وعزم عزما جازما أن لا يعود، {وَآمَنَ} بالله إيمانا صحيحا، يقتضي ترك المعاصي، وفعل الطاعات {وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} مما أمر به الشارع إذا قصد به وجه الله. {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} أي: تتبدل أفعالهم وأقوالهم التي كانت مستعدة لعمل السيئات، تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيمانا، ومعصيتهم طاعة، وتتبدل نفس السيئات التي عملوها، ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وإنابة وطاعة، تبدل حسنات، كما هو ظاهر الآية. اهـ.
وقد وقع في عصر النبوة بعض حوادث الزنا، وتاب أصحابها، وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقيم عليهم الحد، ومنهم امرأة من جهينة، أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى، فقالت: يا نبي الله؛ أصبت حدا، فأقمه علي، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها، فقال: أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها .... الحديث، رواه مسلم. والشاهد منه أمره صلى الله عليه وسلم ولي هذه المرأة بالإحسان إليها.
قال القاضي عياض في (إكمال المعلم): أمر النبي صلى الله عليه وسلم وليها بالإحسان إليها؛ رأفة بها؛ لتوبتها، ووجوب المحنة عليها، بخلاف لو جاءت غير تائبة. اهـ.
وقال النووي: هذا الإحسان له سببان:
- أحدهما الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة، ولحوق العار بهم أن يؤذوها، فأوصى بالإحسان إليها تحذيرا لهم من ذلك.
- والثاني أمر به رحمة لها؛ إذ قد تابت، وحرص على الإحسان إليها؛ لما في نفوس الناس من النفرة من مثلها، وإسماعها الكلام المؤذي ونحو ذلك. فنهى عن هذا كله. اهـ.
ومن مشهور هذه الحوادث، حديث المرأة الغامدية، فقد جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله؛ إني قد زنيت فطهرني، فردها صلى الله عليه وسلم، فلما كان الغد، قالت: يا رسول الله؛ لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزا، فوالله إني لحبلى، قال صلى الله عليه وسلم: «إما لا، فاذهبي حتى تلدي»، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: «اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه»، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها فتنضح الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها، فقال: «مهلا يا خالد، فو الذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس، لغفر له»، ثم أمر بها فصلى عليها، ودفنت. رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم لخالد: مهلا يا خالد ..، قال القاضي البيضاوي في شرح مصابيح السنة: أي أمهلها وتأن بها، ولا تعنف عليها، فإنها مغفورة، مرحومة. اهـ.
وقال محمد الأمين الهرري في شرح صحيح مسلم: (مهلًا) أي كف نفسك (يا خالد) عن سبها، ففيه دليل على أن من أقيم عليه الحد لا يسب، ولا يؤذى بفحش كلام. اهـ.
والمقصود أن التائب -وإن استوجب الحد- فحقه هو الإحسان إليه، ومعاملته بما يليق بحال التائب!
وأما نظرة المجتمع إلى التائب من الزنا، أو غيره من الفواحش، فقد يقع فيها الخطأ بسبب الجهل، أو العادات، أو الفظاظة والغلظة، أو غير ذلك من الأمور، وينبغي أن يقابل كل سبب بما يناسبه من أنواع العلاج.
وأما تحميل غير الزاني عار أو تبعة الزنا، فظلم قبيح، فكل نفس بما كسبت رهينة، ولا تزر وازرة وزر أخرى، قال سبحانه: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وابن ماجه، وحسنه الألباني.
وأما قول السائل: (.. للأسف قرأت لفقيه ذلك ..) فلا ندري ما يعنيه.
والله أعلم.