السؤال
تحية طيبة. عندي استفسار بخصوص " نذر اللجاج والغضب "
لو شخص قال بالنص: لو ارتكبت الذنب هذا مرة أخرى فعلي أن أصلي ركعتين، وأستغفر أربعين مرة، وأقرأ من القرآن صفحتين، وهذا نذر وغير قابل للرجوع فيه، والله يشهد عليَّ.
الدافع الذي جعله ينذر: أن يمنع نفسه من ارتكاب هذا الذنب مرة أخرى، وأن يكون هذا تكفيرا للذنب.
النية : منع النفس من الذنب أكثر من كونه نذرا.
التردد كان موجودا أثناء النذر (علماً بأنه لم يكن يعرف عن النذر ولا أقسامه الكثير).
بعد فترة ارتكب الذنب، وأوفى بنذره، ثم قرر أن يصعب الأمر أكثر، فقال بدل من أن يستغفر مائة مرة تصبح ثلاث مائة، وبدل الركعتين تصبح أربعا، وبدل الصفحتين من القرآن تصبح ثلاثا.
وبعد فترة ارتكب نفس الذنب وأوفى بنذره، وكالعادة قام بتصعيب الأمر.
والآن هو يشك إذا كان قال أن يوفي بنذره بنفس اليوم الذي ارتكبه فيه أم لا؟
السؤال: هل هذا النذر صحيح؟ هل يجوز للشخص التعديل في النذر (مثلاً نذر أن يستغفر أربعين مرة إن فعل شيئا معينا، وفعل، ثم قال بدل الأربعين سبعين)؟
هل يجوز له الرجوع إلى صيغة النذر الأولى (أربعين مرة)؟
ماذا يفعل في شكه؟ ما هي الكفارة المترتبة عليه في حال وجودها؟
هل يبطل النذر في حال وجود شك؟ هل إن فعل الشخص ما نذره فهل يغفر له الله هذا الذنب؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان نذر اللجاج والغضب هو ما يقصد الناذر به الحث على فعل شيء، أو ترك شيء، ولا يتحتم الوفاء به على الراجح، وإنما هو كاليمين، فيخير الناذر بين الوفاء به، وبين إخراج الكفارة.
قال صاحب الدار المختار: لأنه نذر بظاهره يمين بمعناه فيُخير ضرورة. اهـ
وقال صاحب مغني المحتاج: يشبه النذر من حيث إنه التزم قربة، واليمين من حيث المنع، ولا سبيل إلى الجمع بين موجبيهما، ولا إلى تعطيلهما، فوجب التخيير. اهـ
وبناء عليه، فلا يلزمك الوفاء بما نذرت، وإنما أنت مخير بين الوفاء وكفارة اليمين.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 17762، 17466، 214912، 38872، 13998. وما أحيل عليه فيها.
وراجع في حكم تأخير النذر الفتوى رقم: 291280.
وأما الشك في كونك نذرت الوفاء بنفس اليوم، فلا عبرة به، ولا يوجب البدار بالكفارة، ولا بالنذر؛ لأن الأصل براءة الذمة، ولا يبطل النذر بمجرد شكك أنك نذرت أن توفي بنذرك بنفس اليوم الذي ارتكبت فيه المعصية. ففي قواعد الأحكام في مصالح الأنام لعز الدين بن عبد السلام ما نصه: ومنها استصحاب الأصول، كمن لزمه طهارة أو صلاة أو زكاة أو حج أو عمرة أو دين لآدمي ثم شك في أداء ركن من أركانه أو شرط من شرائطه فإنه يلزمه القيام به، لأن الأصل بقاؤه في عهدته، ولو شك هل لزمه شيء من ذلك أو لزمه دين في ذمته، أو عين في ذمته، أو شك في عتق أمته أو طلاق زوجته، أو شك في نذر أو شيء مما ذكرناه فلا يلزمه شيء من ذلك، لأن الأصل براءة ذمته، فإن الله خلق عباده كلهم أبرياء الذمم والأجساد من حقوقه وحقوق العباد إلى أن تتحقق أسباب وجوبها. انتهى.
وأما عن التعديل في النذر، فإن كنت نذرت نذرا، ثم أردت أن تعدله قبل الوفاء به، فإنه لا يصح تعديل النذر بعد حصول ما علق عليه. ولكن من استغفر أربعين، ثم زاد على ذلك، فلا حرج عليه في الزيادة.
وأما إن أردت أن تصعب على نفسك، فنذرت نذرا آخر، وزدت فيه عدد الاستغفار، فهذا لا يعتبر تعديلا للنذر السابق، وإنما هو نذر آخر، والنذر الآخر يجوز تغييره عن النذر الأول.
وأما عن غفران الذنب بفعل ما نذرته من الاستغفار والصلوات، فإنا نرجو حصول المغفرة بالاستغفار، والأعمال الصالحة، فقد ثبت في النصوص وعد الله بالتكفير للسيئات إذا قام العبد بالتوبة والاستغفار والإكثار من الأعمال الصالحة، فقد قال الله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. { الأنعام: 54 }.
وقال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا. { النساء: 110}.
وقال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. { المائدة: 39 }.
والله أعلم.