السؤال
ائتمنني صاحب العمل على مبلغ مالي شهري كنت أقوم بتوزيعه على فقراء بلدتي حسب طلبه مني. ولكنني في بعض الأحيان كنت آخذ جزءا من هذه الأموال بدون علمه بقصد السلف، وأستعين بها على حوائجي وبيتي، وكنت أقوم برد جزء منها حين يتيسر حالي، ثم أقوم بأخذ غيره ورد جزء وهكذا. وقد أدخلت جزءا من هذه الأموال في بعض المشاريع بدون علمه، منها ما ربح ومنها ما خسر. وكذلك اشتريت قطعة أرض كان جزء من ثمنها من هذه الاموال ، والآن قيمتها زادت، وهي رأس مالي الوحيد أدخرها للدخول بها في مشروع أستعين به على معيشتي وأولادي. الآن صاحب هذا المال توفاه الله، وكان دائما ما يقول لي بأن هذه الصدقات ليست أمواله وحده، وله شركاء فيها. أنا الآن تُبت إلى الله وينتابني شعور بالندم والخوف من لقاء الله على هذا الحال ، وما أستطيع مواجهة ورثته بما ذكرت حرصا على عملي (مصدر كسبي الآن) ومنعا للحرج الشديد الذي سيصيبني. وأريد الآن أن أرد الحقوق الى أهلها، ولكن الحالة المادية الآن لا تسمح بأن أرد المبلغ كله مرة واحدة ، فهل يجوز رده على أقساط خلال عام أو عامين مثلاً حسب حالتي المادية؟ فهو مبلغ كبير وأنا أعلمه. ولمن يتم رد هذا المبلغ هل للورثة أم للفقراء واليتامى، كما كان يرغب صاحب المال وشركاؤه في السابق؟ وهل أرد المبلغ الذي أخذته فقط أم يتم رد قيمته مقارنة بسعرالدولار وقتها وحاليا ً؟ وهل قطعة الأرض والمشاريع الخاصة بي عليها شيء بعد رد أصل المبلغ الذي أخذته وأدخلته في ثمنها سابقا ً؟ وأخيرا هل يجوز أن أرهن أو أكتب وصية أو توكيل يفيد بنقل ملكية قطعة الأرض لأهل الثقة حال موتي قبل السداد حتى أضمن له إمكانية بيعها ورد باقي الحقوق إلى أهلها ؟ حيث إنني أعلم بأن أهلي لن يستطيعوا سداد ديوني؟
أفيدوني، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك المبادرة برد الأموال التي أخذتها لتتصدق بها ولم تفعل، ولا يجوز لك تأجيل الرد مع القدرة، وراجع الفتوى رقم: 242626.
والواجب أن ترجع هذه الأموال إلى أصحابها أو ورثتهم إن كانوا أمواتاً، لأن ملك أصحاب الأموال لم يزل عنها لعدم قبض الفقراء لها، جاء في المجموع للنووي –رحمه الله- : من دفع إلى وكيله أَوْ وَلَدِهِ أَوْ غُلَامِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ شَيْئًا يُعْطِيهِ لِسَائِلٍ أَوْ غَيْرِهِ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ دَفْعُهُ إلَى ذَلِكَ الْمُعِينِ استحب له أن لا يَعُودَ فِيهِ بَلْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ وَتَصَرَّفَ فِيهِ جَازَ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِه.
وفي كشاف القناع عن متن الإقناع : (وَمَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ وَكَّلَ فِي ذَلِكَ) أَيْ الصَّدَقَةِ بِهِ (ثُمَّ بَدَا لَهُ) أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِهِ (اُسْتُحِبَّ أَنْ يُمْضِيَهُ) وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ إلَّا بِقَبْضِهَا.
والأموال التي تاجرت بها وخسرت فأنت ضامن لها، وأما التي ربحت ومنها الأرض التي دخل في ثمنها بعض هذه الأموال، وقد زادت قيمة هذه الأرض، فالأرجح والأحوط أن ترد جميع هذه الأرباح والزيادة إلى أصحاب المال، وراجع الفتوى رقم: 53640.
وإذا كان صاحب العمل قد أخبرك بأن هذه الأموال ليست له وحده، وأنت لا تعرف هؤلاء الناس ولا مقادير ما أعطوا له، فالذي يظهر لنا -والله أعلم- أن تدفع المال كله لورثة صاحب العمل، وتخبرهم بما قاله لك من كون بعض هذه الأموال كانت لغيره، فإن عرفوا هؤلاء الناس ردوا إليهم أموالهم، وإلاّ فالأحوط أن يتصدقوا بجميع المال.
والله أعلم.