السؤال
أنا متزوج من 11 سنة، و كل أسبوع كنت أذهب أنا وزوجتي وأولادي لبيت أمي وأبي، وننام عندهم عطلة الأسبوع بشكل أسبوعي, ولا يخفى عليكم مشاكل الزوجة وأم الزوج، وبعد 11 سنة، و من كثرة ما تعبت من المشاكل, أبلغت أمي أنني من الآن فصاعدا لن أحضر معي زوجتي، بل سأحضر أنا وأولادي، لكي لا أنقطع عنها. أمي تهددني بالغضب، وزعلانة من هذا القرار، وتقول لي لن أرضى عنك، ويجب أن تحضرها غصبا عنها. ومما قرأته في موقعكم أنه لا يجب على الزوجة أن تذهب إلى أم الزوج، وأمي تصر على هذا، وأنا حقيقة لا أريد أن أحضر زوجتي معي. هل من العقوق إذا لم أرد على طلب أمي؟ مع العلم أنني كلمتها كثيرا، وشرحت لها أن هكذا أفضل، ولكنها الآن لا تكلمني بسبب هذا القرار.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا النهج الذي كنت تسير عليه طيلة هذه السنين أمر طيب، نعني زيارة أسرتك للعائلة والمكث معهم نهاية كل أسبوع. والمرجو في مثل هذا أن يكون له آثار طيبة في حسن العشرة بين الأصهار، وتقوية الروابط بينهم، وهذا مقصود للشرع.
ويبدو من سياق السؤال أن هنالك مشاكل تحدث بين الزوجة وأم الزوج، فإذا كان الأمر كذلك، فإننا نذكر بأن الله تبارك وتعالى قد امتنَّ على الخلق بعلاقة المصاهرة، فينبغي الحرص عليها، قال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا {الفرقان:54}، ولما تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها إكراما لها، ومنها كذلك وصيته -صلى الله عليه وسلم- بالإحسان إلى أهل مصر بقوله: إنكم ستفتحون مصر...، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحمًا، أو قال: ذمة وصهرًا. رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه.
وهذا ما لا يحبه الشيطان، فإنه يسعى في الوقيعة بين الناس، وإثارة الضغائن والأحقاد، ليشتت الشمل، ويفرق بين الأحبة، ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم. ومن مراتعه الخصبة العلاقة بين الزوجة وأم الزوج، فكثيرا ما تكون بينهما المشاكل بسبب الغيرة، أو سوء الظن، أو سوء الفهم، أو غير ذلك من الأسباب، وينبغي أن تفوت الفرصة على الشيطان، ولعل حكمة الزوج، وقيامه بدور المصلح مما يعين في إزالة أسباب المشاكل، فيلتمس الأسباب ويعمل على معالجتها، ويحاول أن يتفق مع الطرفين على أسس يمكن أن تحول دون ما يحدث بين أمه وزوجته، هذا مع الاستعانة بدعاء الله سبحانه الذي يملك قلوب الخلق يقلبها كيف يشاء. فإن تيسر الإصلاح زال الإشكال من أصله.
وننبه هنا إلى أنه يجوز في مثل هذه الأحوال أن تنقل إلى كل منهما عن الأخرى كلاما يجلب المودة ويذهب الشحناء –وإن لم يكن واقعا- وليس ذلك من الكذب المذموم، ففي حديث أم كلثوم بنت عقبة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِى يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا، وَيَنْمِي خَيْرًا. رواه مسلم.
والأمر على ما قرأت بفتاوانا من أنه لا يلزم زوجتك زيارة أهلك، أو طاعتك إن أمرتها بذلك، سواء كانت موافقة على الذهاب إليهم أم ممتنعة عن ذلك. ولكن إن قامت بزيارتهم، وتجاوزت عما قد يحصل منهم من هفوات، وصبرت على ما قد يصدر عنهم من أذى تجاهها، وأعانت زوجها على البر بأمه، فهذا أمر حسن قد يكسبها حظوة عند زوجها، وتقوى أواصر المودة بينهما، ويعظم أجرها عند الله -عز وجل-.
ولكن إن أصرت الزوجة على الامتناع، فليس للزوج إجبارها، فلا يبر أمه بظلم زوجته، ولا يلزمه طاعة أمه في ذلك، ولا يكون مخالفته لها عقوقا، ولكن ينبغي أن يجتهد في سبيل إرضائها. وطاعة الوالدين لا تجب بإطلاق وإنما تجب فيما فيه مصلحة لهما، ولا مضرة على الولد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا. اهـ.
والله أعلم.