السؤال
هل يجوز للمودَع أن يوكل أمينا لنقل الوديعة من مكان إلى مكان دون إذن من المودِع؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فجوابنا يتلخص في أمرين:
أولهما: ليس من حق الشخص المودَع أن ينقل الوديعة ولو بنفسه ويحفظها في مكان آخر إن كان المودِعُ قد عين له المكان الذي يحفظها فيه؛ إلا إذا كان المكان المراد نقلها إليه مأمونا، كالمكان الذي عينه صاحب الوديعة، أو أكثر أمانا.
قال صاحب الروض في باب الوديعة: (ويلزمه) أي: المودع (حفظها في حرز مثلها) عرفا كما يحفظ ماله؛ لأنه تعالى أمر بأدائها، ولا يمكن ذلك إلا بالحفظ، قال في " الرعاية ": من استودع شيئا حفظه في حرز مثله عاجلا مع القدرة، وإلا ضمن، (فإن عينه) أي: الحرز (صاحبُها فأحرزها بدونه، ضمن) سواء ردها إليه أو لا؛ لمخالفته له في حفظ ماله، (و) إن أحرزها (بمثله أو أحرز) منه (فلا) ضمان عليه؛ لأن تقييده بهذا الحرز يقتضي ما هو مثله فما فوقه من باب أولى. اهـــ
ثانيا: توكيل المودَع غيرَه لينقل الوديعة إلى حرز ونحوه - إن كان لعذر أو ممن جرت العادة بأن يفعل له ذلك، ويتولاه عنه غيره - لا حرج فيه؛ إذ الإذن العرفي يقتضي ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه القواعد النورانية: الإذن العرفي في الإباحة أو التمليك أو التصرف بطريق الوكالة كالإذن اللفظي. انتهى
وقال الغزالي في الوسيط: أما الضمان فسببه التقصير، وللتقصير ثمانية أسباب: السبب الأول: أن يودع عند غيره من غير عذر فيضمن لأنه لم يرض المالك بيد غيره، وَلَا فرق بَين أَن يودع زَوجته أَو عَبده أَو أَجْنَبِيّا إِلَّا أَن يسلم إِلَى عَبده وَزَوجته ليوصله إِلَى حرزه، أَعنِي حرز الْمُودع. انتهى.
فهو وإن كان لا يرى الإيداع لديهم خلافا لمن يرى ذلك، لكنه هنا يرى أن المودع لو دفع الوديعة إلى غيره ليضعها في حرز ونحوه لا يعتبره متعديا، فلا يضمن.
وقد ذكر بعض الفقهاء أن نقل الوديعة إن كان من بلد إلى بلد فهو من أسباب الضمان؛ بخلاف نقلها من منزل إلى آخر. قال ابن جزي في القوانين الفقهية: فإن نَقَلَها من بلد إلى بلد ضَمِنَ؛ بخلاف نَقْلِها من منزل إلى منزل.انتهى
والله تعالى أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني