السؤال
قليلا ما أصلي السنن، بل أكتفي بالفرائض. ولكني قد نذرت نذرا أني لن أضيع سنة بعد اليوم، إذا قضى الله لي حاجة ما.
سؤالي هو: إذا حدث ما نذرت من أجله، وأصبحت مواظبة على أداء السنن، ولكن في يوم من الأيام تخلفت لضرورة، كأن كنت في الطريق ولا أجد مكانا للصلاة.
فهل بذلك أخلفت النذر، ووجبت علي الكفارة؟
وفى حالة الكفارة هل كلما ضيعت سنة، تلزمني بالكفارة؟
أفيدوني، أفادكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى: 106240 أن النذر المعلق على شرط كقضاء حاجة ما مثلا، حكمه الكراهة عند أكثر أهل العلم. ومنهم من قال بتحريمه.
وعلى كل، فيجب الوفاء به إذا حصل المعلق عليه، وإن لم يحصل، فلا يلزم شيء لا كفارة ولا غيرها.
فإذا قضى الله الحاجة التي علقت نذرك على حصولها، فيلزمك المحافظة على الإتيان بما نذرت من السنن على الأصح.
قال النووي في المجموع: ولو نذر فعل السنن الراتبة، كالوتر، وسنة الصبح، وسنة الظهر. فعلى وجهين: الأصح اللزوم. انتهى.
وبخصوص ما إذا حصلت لك ضرورة حالت دون صلاتك لسنة من السنن التي نذرت عدم تضييع سنة منها، بعد تحقق حاجتك -كأن كنت في الطريق ولا تجدين مكانا للصلاة ونحو ذلك من الأعذار- فقد اختلف أهل العلم هل يلزمك قضاء ما فاتك من تلك السنن، أم تجب عليك الكفارة؟
فذهب المالكية إلى أنه لا قضاء عليك بسبب المرض ونحوه، ويجب القضاء بالترك عمدًا.
قال الدردير في الشرح الصغير: (و) إن نذر شيئًا ولم يقدر عليه (سقط ما عجز عنه) وأتى بمقدوره ...اهـ.
وقال الشافعية: يقضي من ترك النذر ولو بعذر.
كما جاء في شرح الخطيب على أبي شجاع: ولو نذر صلاة أو صومًا في وقت، ففاته ولو بعذر، وجب عليه قضاؤه. اهـ. وجاء في تحفة المحتاج: وإن نذر صلاة، أو صوما في وقت يصحان فيه (فمنعه مرض، أو عدو) كأسير يخاف إن لم يأكل قتل، وكأن يكرهه على التلبس بمنافي الصلاة جميع وقتها (وجب القضاء) اهـ.
وقال الحنابلة: إن عجز عن نذر نذره بسبب عارض يرجى زواله، من مرض، أو نحوه انتظر زواله، ولا تلزمه كفارة، تشبيها له بالمريض في شهر رمضان. فإن استمر عجزه إلى أن صار غير مرجو الزوال، صار إلى الكفارة.
قال ابن قدامة -الحنبلي- في المغني: وَإِنْ عَجَزَ لِعَارِضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ، مِنْ مَرَضٍ، أَوْ نَحْوِهِ انْتَظَرَ زَوَالَهُ، وَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَلَا غَيْرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ الْوَقْتُ، فَيُشْبِهُ الْمَرِيضَ فِي شَهْرِ رَمَضَانِ. فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَجْزُهُ إلَى أَنْ صَارَ غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ، صَارَ إلَى الْكَفَّارَةِ. انتهى.
وقال الرحيباني -الحنبلي- في مطالب أولي النهى: (وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً وَنَحْوَهَا كَجِهَادٍ وَعَجَزَ عَنْهُ؛ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ، وَإِنْ عَجَزَ لِعَارِضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ كَمَرَضٍ؛ انْتَظَرَ، وَلَا كَفَّارَةٌ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَجْزُهُ حَتَّى صَارَ غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ، فَكَمَا تَقَدَّمَ. انتهى.
ولا شك أنه في حالة إخراج الكفارة، فكل سنة عجزت عن الإتيان بها تلزمك كفارة بدلا منها.
والله أعلم.